فأخبره رجل أنّ سعيد بن جبير بواد من أودية مكّة بمكان كذا مختفيا. فأرسل خالد في طلبه. فأتاه الرسول ولكنّه قال له : إنّما امرت بأخذك ولكنّي أعوذ بالله من ذلك فالحق بأيّ بلد شئت وأنا معك! قال ابن جبير : ألك أهل وولد هنا؟ قال : نعم. قال : فإنّهم يؤخذون وينالهم مثل ما ينالني! قال : فإنّي أكلهم إلى الله! قال سعيد : لا يكون هذا! فأتى به إلى خالد ، فشدّه وثاقا وبعث به إلى الحجّاج ، كذا أمره ابن مروان.
وكان معه جند من الشام فقال له أحدهم : إنّ الحجّاج قد أنذر به وأشعر قبلك فما عرض له ، فلو جعلته فيما بينك وبين الله (؟) لكان أزكى من كلّ عمل يتقرّب به إلى الله!
وكان خالد حينها مسندا ظهره إلى الكعبة فقال : والله لو علمت أنّ (الوليد بن) عبد الملك لا يرضى عنّي إلّا بنقض هذا البيت حجرا حجرا لنقضته لمرضاته!
فلمّا قدموا بسعيد على الحجّاج سأله : ما اسمك؟ قال : سعيد. قال : ابن من؟ قال : ابن جبير. قال : بل أنت شقيّ بن كسير! قال : امي أعلم باسمي واسم أبي. قال : شقيت وشقيت امك! قال سعيد : الغيب يعلمه غيرك! قال الحجّاج : لاوردنّك حياض الموت! قال سعيد : إذن أصابت اميّ في اسمي! قال الحجّاج : لابدلنّك بالدنيا نارا تلظّى! قال سعيد : ولو أنّي أعلم أنّ ذلك بيدك لاتخذتك إلها! قال : الحجّاج : فما قولك في محمّد؟ قال سعيد : نبي الرحمة ورسول ربّ العالمين إلى الناس كافّة بالموعظة الحسنة! فقال الحجّاج : فما قولك في الخلفاء؟ قال سعيد : لست عليهم بوكيل (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ)(١) قال الحجّاج : أشتمهم أم أمدحهم؟ قال سعيد : لا أقول إلّا ما أعلم ، إنمّا استحفظت أمر نفسي. قال
__________________
(١) الطور : ٢١.