الحجّاج : أيّهم أعجب إليك؟ قال : يفضل بعضهم على بعض ، قال : صف لي قولك في علي! أفي الجنة هو أم في النار؟ قال سعيد : لو دخلت الجنة فرأيت أهلها علمت ، ولو رأيت من في النار علمت ، فما سؤالك عن غيب قد حفظ بالحجاب! قال الحجّاج : فأيّ رجل أنا يوم القيامة؟! قال سعيد : أنا أهون على الله من أن يطلعني على الغيب! قال : أبيت أن تصدقني! قال سعيد : بل لم أرد أن اكذبك! قال الحجّاج : فدع عنك هذا كلّه ، وأخبرني ما لك لم تضحك قّط؟ قال : وكيف يضحك مخلوق من طين والطين تأكله النار ومنقلبه إلى الجزاء ، واليوم يصبح ويمسي في الابتلاء! قال الحجّاج : فأنا أضحك. قال سعيد : كذلك خلقنا الله أطوارا! قال الحجّاج : هل رأيت شيئا من اللهو؟ قال : لا أعلمه. فدعا الحجّاج بالعود والناي وأمر بضربهما ، فلمّا ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى! قال : ما يبكيك؟ قال : أما هذه النفخة فذكّرتني يوم النفخة في الصور! وأمّا هذه المصران فمن نفس هي معك إلى الحساب ، وأما هذا العود فقد نبت بالحقّ وقطع لغير الحقّ! فقال الحجّاج : أنا قاتلك! قال سعيد : قد فرغ من تسبّب موتي. قال الحجّاج : أنا أحب إلى الله منك! قال سعيد : لا يقدم أحد على ربّه حتّى يعرف منزلته منه ، والله أعلم بالغيب. قال الحجّاج : كيف لا أقدم على ربّي في مقامي هذا وأنا مع إمام الجماعة وأنت مع إمام الفرقة والفتنة؟! قال سعيد : ما أنا بخارج عن الجماعة ولا أنا براض بالفتنة ، ولكنّ قضاء الربّ نافذ لا مردّ له.
قال الحجّاج : كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين؟ ودعا بذهب وفضة وجواهر وكسوة!
فقال سعيد : هذا حسن إن قمت بشرطه! قال : وما شرطه؟ قال : أن تشتري له بما تجمع من هذا الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة! وإلّا فإنّ كلّ مرضعة تذهل عمّا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ، ولا ينفعه إلّا ما طاب منه. قال : فترى جمعنا طيبا؟ قال : برأيك جمعته فأنت أعلم بطيبه. قال : أتحبّ أن يكون لك