وفائدة الإخفاء التهويل والتخويف ، فإنّ الناس إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة ، كانوا على حذر منها كلّ وقت.
وقيل : معناه : أقرب أن أسترها ، فلا أقول إنّها آتية ، لفرط إرادتي إخفاءها ، ولو لا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف وقطع الأعذار لما أخبرت به.
قال أبو عبيدة : معناه : أكاد أظهرها ، من : أخفاه إذا سلب خفاءه (١).
وقال في المجمع : «يقال : أخفيت الشيء كتمته وأظهرته جميعا ، وخفيته بلا ألف أظهرته لا غير» (٢).
ويؤيّد المعنى الأخير قراءة سعيد بن جبير : أخفيها ، بفتح الهمزة ، من : خفاه إذا أظهره ، أي : قرب إظهارها ، كقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (٣).
(لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) بما تعمل من خير وشرّ. متعلّق بـ «آتية» ، أو بـ «أخفيها» على المعنى الأخير.
(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) فلا يصرفنّك عن تصديق الساعة ، أو لا يمنعك عن الصلاة (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) نهى الله الكافر أن يصدّ موسى عنها. والمراد نهيه أن يصدّ عنها.
وتحقيق ذلك : أنّ صدّ الكافر مسبّب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته ، فذكر المسبّب ليدلّ على السبب ، كقولهم : لا أرينّك هاهنا ، فإنّ المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته ، وذلك سبب رؤيته إيّاه ، فكان ذكر المسبّب دليلا على السبب ، كأنّه قيل : فكن شديد الشكيمة ، صليب النفس ، راسخا في الدين ، حتّى لا يطمع في صدّك عمّا أنت عليه من كفر بالبعث.
(وَاتَّبَعَ هَواهُ) ميل نفسه إلى اللذّات المحسوسة المخدجة (٤) ، فقصر نظره عن
__________________
(١) الخفاء : الغطاء. وجمعه : أخفية.
(٢) مجمع البيان ٧ : ٤.
(٣) القمر : ١.
(٤) أي : الناقصة ، من : خدج الشيء : نقص.