مأمور هو بها من جهة الله ، ليس له أن يخلّ بها ، ويتثاقل عنها. وأوّل ذلك أن يهتدي بنفسه ، لأنّ الانتفاع بهداية المهتدي أعمّ ، والنفوس إلى الاقتداء بالمهديّ أميل.
ولهذا قال عزوجل : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) ليحثّوهم عليه ، فيتمّ كمالهم بانضمام العمل إلى العلم. وعن ابن عبّاس : هي شرائع النبوّة. وأصله : أن تفعل الخيرات ، ثم فعلا الخيرات ، ثمّ فعل الخيرات. وكذلك قوله : (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ). وهو من عطف الخاصّ على العامّ ، للتفضيل. وحذفت تاء الإقامة المعوّضة من إحدى الألفين ، لقيام المضاف إليه مقامها.
(وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) موحّدين مخلصين في العبادة. ولذلك قدّم الصلة.
(وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥))
(وَلُوطاً) منصوب بفعل يفسّره قوله : (آتَيْناهُ حُكْماً) حكمة ، أو نبوّة ، أو فصلا بين الخصوم (وَعِلْماً) بما ينبغي علمه للأنبياء.
(وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ) قرية سدوم ، من أعظم القرى بالمؤتفكة (الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) يعني : اللواط ، والتضارط في أنديتهم ، وقطع الطريق ، وغير ذلك من القبائح. وأراد بالقرية أهلها ، فوصفها بصفة أهلها ، أو أسندها إليها على حذف المضاف وإقامتها مقامه. ويدلّ عليه قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) خارجين عن طاعة الله تعالى. وهو كالتعليل لقوله : (تَعْمَلُ الْخَبائِثَ).
(وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) في أهل رحمتنا ونعمتنا. أو في جنّتنا. ومنه الحديث :