والمعنى : أنّه يجوز دخول الأطفال على آبائهم وأمّهاتهم بدون الاستئذان ، إلّا في الأحوال الثلاث ، فإذا خرجوا من حدّ الطفوليّة فليستأذنوا في جميع الأوقات كالرجال الكبار.
وقال في كنز العرفان : «إنّ المراد الأطفال الأحرار ، لأنّ بلوغ الأحرار يوجب رفع الحكم المذكور في تخصيص الاستئذان بالأوقات الثلاثة. وأمّا بلوغ الأرقّاء ، فالحكم باق كما كان في التخصيص ، لأجل بقاء السبب المذكور» (١).
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) كرّره تأكيدا ومبالغة في الأمر بالاستئذان.
واعلم أنّ بعضهم ظنّ أنّ الآية منسوخة. وليست كذلك. قال ابن جبير : يقولون هي منسوخة ، لا والله ما هي منسوخة ، لكنّ الناس تهاونوا بها. وقيل : للشعبي : إنّ الناس لا يعملون بها. فقال : الله المستعان.
وأنا أقول : يمكن أن يقال : إنّ ثبوت هذا الحكم في الأوقات الثلاثة المذكورة ـ كما دلّ عليه سبب نزول الآية ـ إنّما هو بسبب مظنّة انكشاف العورة ، وإذا انعدم سببه ـ كما يكون في أكثر بلادنا ـ فينتفي هذا الحكم ، لانتفاء المسبّب بانتفاء سببه.
ثمّ بيّن حكما آخر من هذا الباب ، فقال : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) العجائز اللّاتي قعدن عن الحيض والحمل (اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) لا يطمعن فيه لكبرهنّ (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) أي : الثياب الظاهرة ، كالملحفة والجلباب الّذي فوق الخمار. والفاء فيه لأنّ اللام في القواعد بمعنى اللّاتي ، أو لوصفها بها.
(غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) غير مظهرات زينة ممّا أمرن بإخفائه في قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) (٢) بل قاصدات به التخفيف عن أنفسهنّ. وأصل
__________________
(١) كنز العرفان ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
(٢) النور : ٣١.