قوله : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) جملة حالية.
قال الزّمخشري : «و «لما» بمعنى «لم» ، إلا أنّ فيه ضربا من التوقّع ، فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقّعه فيما يستقبل ، وتقول : وعدتني أن تفعل كذا ولمّا ، تريد : ولم تفعل ، وأنا أتوقّع فعله».
قال أبو حيان (١) : «وهذا الذي قاله في «لما» ـ من أنها تدل على توقّع الفعل المنفي بها فيما يستقبل ـ لا أعلم أحدا من النحويين ذكره ، بل ذكروا أنك إذا قلت : لما يخرج زيد ، دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى ، متصلا نفيه إلى وقت الاخبار ، أما أنها تدل على توقّعه في المستقبل فلا ، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئا يقارب ما قاله الزمخشري ، قال : «لما» لتعريض الوجود بخلاف «لم»».
قال شهاب الدين (٢) : والنحاة إنما فرّقوا بينهما من جهة أن المنفي ب «لم» هو فعل غير مقرون ب «قد» ، والمنفي ب «لما» فعل مقرون بها ، و «قد» تدل على التوقّع ، فيكون كلام الزمخشري صحيحا من هذه الجهة ، ويدل على ما قلته ـ من كون «لم» لنفي فعل فلان ، و «لما» لنفي قد فعل ـ نصّ سيبويه فمن دونه.
قال الزجاج إذا قيل فعل فلان ، فجوابه : لم يفعل ، وإذا قيل : قد فعل فلان ، فجوابه لما يفعل ؛ لأنه لما أكّد في جانب الثبوت ب «قد» لا جرم أنه أكد في جانب النفي بكلمة «لما» ، وقد تقدم نظير هذه الآية في «البقرة» وظاهر الآية يدل على وقوع النفي على العلم ، والمراد : وقوعه على نفي المعلوم ، والتقدير : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ، ولمّا يصدر الجهاد عنكم؟
وتقريره : أن العلم متعلق بالمعلوم ، كما هو عليه ، فلما حصلت هذه المطابقة ـ لا جرم ـ حسن إقامة كلّ واحد منهما مقام الآخر.
فصل
قال القرطبيّ : والمعنى : أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة ، كما دخل الذين قتلوا ، وصبروا على ألم الجراح والقتل ، من غير أن تسلكوا طريقهم ، وتصبروا صبرهم؟ لا ؛ حتّى يعلم الله الذين جاهدوا منكم ، أي : علم شهادة ، حتى يقع عليه الجزاء ، والمعنى : ولم تجاهدوا ، فيعلم ذلك منكم ، ف «لما» بمعنى : «لم».
قوله : «منكم» حال من «الّذين».
وقرأ العامة (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) بكسر الميم ـ على أصل التقاء الساكنين.
وقرأ النخعي وابن وثاب بفتحها (٣) ، وفيها وجهان :
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٧٢.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢١٨.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٥١٥ ، والبحر المحيط ٣ / ٧٢ ، والدر المصون ٢ / ٢١٩.