أنشده المفضل ممدودا ، مهموزا ، مخففا.
واختلفوا في توجيه هذه القراءة ، فنقل عن المبرد أنها اسم فاعل من كان ، يكون ، فهو كائن ، واستبعده مكّيّ ، قال : لإتيان «من» بعده ، ولبنائه على السكون. وكذلك أبو البقاء ، قال : «وهو بعيد الصحة ؛ لأنه لو كان كذلك لكان معربا ، ولم يكن فيه معنى التكثير».
لا يقال : هذا تحامل على المبرد ؛ فإن هذا لازم له ـ أيضا ـ فإن البناء ، ومعنى التكثير عارضان ـ أيضا ـ لأن التركيب عهد فيه مثل ذلك ـ كما تقدم في «كذا» ، و «لولا» ، ونحوهما ، وأما لفظ مفرد ينقل إلى معنى ، ويبنى من غير سبب ، فلم يوجد له نظير.
وقيل : هذه القراءة أصلها «كأيّن» ـ كقراءة الجماعة ـ إلا أن الكلمة دخلها القلب ، فصارت «كائن» مثل كاعن ـ واختلفوا في تصييرها بالقلب كذلك على أربعة أوجه :
أحدها : أنه قدّمت الياء المشددة على الهمزة ، فصار وزنها كعلف ، إلا أنك قدمت العين والسلام ، وهما الياء المشددة ـ ثم حذفت الياء الثانية لثقلها بالحركة والتضعيف ، كما قالوا في : «أيّها» ، ثم قلبت الياء الساكنة ألفا ، كما قلبوها في نحو آية ـ والأصل : أيّة ـ وكما قالوا : طائيّ ـ والأصل : طيىء ـ فصار اللفظ «كأين» ووزنه كعف ، لأن الفاء أخرت إلى موضع اللام ، واللام قد حذفت.
الوجه الثاني : أنه حذفت الياء الساكنة ـ التي هي عين ـ وقدّمت المتحركة ـ التي هي لام ـ فتأخرت الهمزة ـ التي هي فاء ـ وقلبت الياء ألفا ؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصار «كائن» ووزنه كلف.
الوجه الثالث : ويعزى للخليل ـ أنه قدّمت إحدى الياءين في موضع الهمزة ، فتحركت بحركة الهمزة ـ وهي الفتحة ـ وصارت الهمزة ساكنة في موضع الياء ، فتحركت الياء ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، فالتقى الساكنان ـ الألف المنقلبة عن الياء ، والهمزة بعدها ساكنة ـ فكسرت الهمزة على أصل التقاء الساكنين ـ وبقيت إحدى الياءين متطرفة ، فأذهبها التنوين ـ بعد سلب حركتها ـ كياء قاض وغاز.
الوجه الرابع : أنه قدّمت الياء المتحركة ، فانقلبت ألفا ، وبقيت الأخرى ساكنة ، فحذفها التنوين ـ مثل قاض ـ ووزنه على هذين الوجهين أيضا كلف ؛ لما تقدم من حذف العين ، وتأخير الفاء ، وإنما الأعمال تختلف.
اللغة الثالثة : «كأين» ـ بياء خفيفة بعد الهمزة ـ على مثال كعين ، وبها قرأ ابن محيصن ، والأشهب العقيلي (١) ، ووجهها أن الأصل : «كأيّن» ـ كقراءة الجماعة ـ فحذفت
__________________
(١) انظر هذه اللغات في الدر المصون ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.