بقوا محرومين من الغنيمة ـ وقتل أقاربهم ، اغتم لأجلهم.
الثاني : أن تكون الباء للمصاحبة ، أي : غما مصاحبا لغم ، ويكون الغمّان للصحابة ، بمعنى غمّا مع غم أو غما على غم ، فالغم الأول : الهزيمة والقتل ، والثاني إشراف خالد بخيل الكفار ، أو بإرجافهم : قتل الرسول صلىاللهعليهوسلم فعلى الأول تتعلق الباء ب (فَأَثابَكُمْ).
قال أبو البقاء وقيل : المعنى بسبب غم ، فيكون مفعولا به.
وعلى الثاني يتعلق بمحذوف ؛ لأنه صفة ل «غمّ» أي : غما مصاحبا لغم ، أو ملتبسا بغمّ ، وأجاز أبو البقاء أن تكون الباء بمعنى «بعد» أو بمعنى «بدل» وجعلها ـ في هذين الوجهين ـ صفة ل «غما». وكونها بمعنى «بعد» و «بدل» بعيد ، وكأنه يريد تفسير المعنى ، وكذا قال الزمخشريّ غما بعد غمّ. واعلم أن الغموم هناك كانت كثيرة :
أولا : غمّهم بما نالهم من العدوّ في الأنفس والأموال (١).
ثانيا : غمّهم بما لحق المسلمين من ذلك (٢).
ثالثا : غمّهم بما وصل إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم (٣).
رابعا : غمّهم بما وقع منهم من المعصية وخوف عقابها (٤).
خامسا : غمّهم بسبب التوبة التي صارت واجبة عليهم ؛ لأنهم إذا تابوا عن تلك المعصية لم تتم توبتهم إلا بترك الهزيمة والعود إلى المحاربة بعد الانهزام ، وذلك من أشق الأشياء ؛ لأن الإنسان بعد انهزامه ـ يضعف قلبه ويجبن ، فإذا أمر بالمعاودة ، فإن فعل خاف القتل ، وإن لم يفعل خاف الكفر وعقاب الآخرة ـ وهذا الغمّ أعظمها (٥).
سادسها : غمّهم حين سمعوا أن محمدا قتل (٦).
سابعها : غمّهم حين أشرف خالد بن الوليد عليهم بخيل المشركين (٧).
ثامنها : غمّهم حين أشرف أبو سفيان (٨) ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم انطلق يومئذ
__________________
(١) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٣٤).
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المصدر السابق.
(٥) المصدر السابق.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣١٠ ـ ٣١١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٥٤) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
وذكره الرازي في «تفسيره» (٩ / ٣٤) وانظر «البحر المحيط» لأبي حيان (٣ / ٩٠).
(٧) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٤ / ١٥٥) وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٩٠) عن ابن عباس ومقاتل.
(٨) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٩٠) وعزاه للثعلبي.