أبيّ كذلك وهي (١) قراءة مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفيّ ، وهذا لا يصحّ عن عائشة ولا أبان ، وما أحسن قول الزمخشريّ رحمهالله : «ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف ، وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ، ومن لم يعرف
__________________
ـ واحد منهما زوج. الذكر زوج ، والأنثى زوج ا ه. قال أعداء الإسلام : فهذه الرواية تدل على تصرّف نساخ المصحف واختيارهم ما شاءوا في كتابة القرآن ورسمه.
والجواب أن كلام زيد هذا لا يدل على ما زعموا. إنما يدل على أنه بيان لوجه ما كتبه وقرأه سماعا وأخذا عن النبي صلىاللهعليهوسلم لا تصرّفا وتشهيا من تلقاء نفسه. وكيف يتصور هذا من الصحابة في القرآن وهم مضرب الأمثال في كمال ضبطهم وتثبتهم في الكتاب والسنة. لا سيما زيد بن ثابت ، وقد عرفت فيما سبق من هو زيد في حفظه. وأمانته ودينه وورعه؟ وعرفت دستوره الدقيق الحكيم في كتابة الصحف والمصاحف! «فأنى يؤفكون»؟.
يقولون : إن مروان هو الذي قرأ «ملك يوم الدين» من سورة الفاتحة بحذف الألف من لفظ «مالك». ويقولون : إنه حذفها من تلقاء نفسه دون أن يرد ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فضلا عن أن يتواتر عنه قراءة ولفظا ، أو يصح كتابة ورسما.
والجواب أن هذا كذب فاضح (أولا) لأنه ليس لهم عليه حجة ولا سند.
(ثانيا) أن الدليل قام ، والتواتر تمّ والإجماع انعقد ، على أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ لفظ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بإثبات الألف وحذفها ، وأخذ أصحابه عنه ذلك. فممن قرأ بهما عليّ وابن مسعود وأبيّ بن كعب. وممن قرأ بالقصر أي حذف الألف أبو الدرداء وابن عباس وابن عمر. وممن قرأ بالمد أي إثبات الألف أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين. وهؤلاء كلهم كانوا قبل أن يكون مروان ، وقبل أن يولد مروان ، وقبل أن يقرأ مروان. وقصارى ما في الأمر أن مروان اتفق أن روايته كانت القصر فقط. وذلك لا يضرنا في شيء. كما اتفق أن رواية عمر بن عبد العزيز كانت المد فقط.
(ثالثا) أن كلمة «مالك» رسمت في المصحف العثماني بالألف هكذا «ملك» كما سبق.
خلاصة الدفاع :
والخلاصة أن تلك الشبهة وما ماثلها ، مدفوعة بالنصوص القاطعة ، والأدلة الناصعة ، على أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثباته ورسمه ولم ينسخه ناسخ في تلاوته ، هو هذا الذي حواه مصحف عثمان بين الدفتين ، لم ينقص منه شيء ، ولم يزد فيه شيء ، بل إن ترتيبه ونظمه كلاهما ثابت على ما نظمه الله سبحانه وتعالى ورتبه رسوله صلىاللهعليهوسلم من آي وسور. لم يقدم من ذلك مؤخر ، ولم يؤخر منه مقدم. وقد ضبطت الأمة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ترتيب آي كل سورة ومواقعها ، كما ضبطت منه نفس القراءات وذات التلاوة. على ما سبق وما سيجيء في الكلام على القراءات إن شاء الله.
فليلاحظ دائما في الرد على أمثال تلك الشبهات أمران :
(أولهما) تلك القاعدة الذهبية التي وضعها العلماء : وهي أن خبر الآحاد إذا عارض القاطع سقط عن درجة الاعتبار ، وضرب به عرض الحائط ، مهما تكن درجة إسناده من الصحة.
(ثانيهما) خطّ الدفاع الذي أقمناه في المبحث الثامن حصنا حصينا دون النيل من الصحابة واتهامهم بسوء الحفظ أو عدم التثبت والتحري ، خصوصا في كتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم. مناهل العرفان ١ / ٣٧٩ ـ ٣٩٠.
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢ / ١٣٥ ، البحر المحيط ٣ / ٤١١ ، والدر المصون ٢ / ٤٦١.