[و](١) قوله ـ عزوجل ـ : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) نصب «خيرا» لنصبه فيما تقدّم في جميع وجوهه ، ونسبته إلى قائليه ، ثم أكّد التّوحيد بقوله : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) ثم نزّه نفسه عن الولد بقوله : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) وتقديره : من أن يكون ، أو : عن أن يكون ؛ لأنّ معنى : «سبحان» : التّنزيه ، فكأنّه قيل : نزّهوه عن أن يكون ، أو من أن يكون له ولد ، فيجيء في محلّ «أن» الوجهان المشهوران ، وقد تقدّمت دلائل تنزيه الله عن الولد في سورة «آل عمران» و «واحد» نعت على سبيل التوكيد ، وظاهر كلام مكي (٢) أنه نعت لا على سبيل التوكيد ، فإنه قال : و «الله» مبتدأ ، و «إله» خبره ، و «واحد» نعت ، تقديره : «إنّما الله منفرد في إلهيّته» ، وقيل : «واحد» تأكيد بمنزلة (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] ، ويجوز أن يكون «إله» بدلا من «الله» ، و «واحد» خبره ، تقديره : إنّما المعبود واحد ، وقوله : (أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) تقديم نظيره [في الآية ٤٧ آل عمران]. وقرأ الحسن (٣) : «إن يكون» بكسر الهمزة ورفع «يكون» على أنّ «إن» نافية ، أي : ما يكون له ولد ، فعلى قراءته يكون هذا الكلام جملتين ، وعلى قراءة العامة يكون جملة واحدة.
ثم قال ـ تعالى ـ : ولله (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
واعلم أنّه ـ تعالى ـ في كل موضع نزّه نفسه عن الولد ذكر كونه ملكا ومالكا لما في السموات وما في الأرض ؛ فقال في «مريم» : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم : ٩٣] ، والمعنى : أن من كان مالكا لما في السّموات وما في الأرض ولكلّ ما فيها ، كان مالكا لعيسى ولمريم ؛ لأنهما كانا في السّموات وفي الأرض ، ولما هو أعظم منهما في الذّات والصّفات ، وإذا كان مالكا لما هو أعظم منهما ، فبأن يكون مالكا لهما أولى ، وإذا كانا مملوكين له ، فكيف يعقل مع هذا توهّم كونهما ولدا وزوجة.
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي : إن الله ـ تعالى ـ كاف في تدبير المخلوقات ، وفي حفظ المحدثات ، فلا حاجة معه إلى القول بإثبات آله آخر ، وهو إشارة إلى ما يذكره المتكلّمون ؛ من أنّه لمّا كان [ـ تعالى ـ](٤) عالما بجميع المعلومات قادرا على كل المقدورات ، كان كافيا في الإلهيّة ، فلو فرضنا آلها آخر ، كان معطّلا لا فائدة فيه ، وذلك نقص ، والنّاقص لا يكون إلها.
قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢١٤.
(٣) ينظر : الشواذ (٣٦) ، والبحر المحيط ٣ / ٣ / ٤١٨ ، القرطبي ٦ / ٢٦ ، الدر المصون ٢ / ٤٧٠.
(٤) سقط في أ.