فأما أن يقال : المراد من الآية تفضيل الملائكة على المسيح في كثرة الثّواب على الطّاعات ، فذلك ممّا لا يناسب (١) هذا الموضع ، ولا يليق به.
فظهر أنّ هذا الاستدلال إنّما قوي في الأوهام ؛ لأن النّاس ما لخّصوا محلّ النّزاع.
وأجاب البغوي (٢) عن استدلالهم بهذه الآية ؛ فقال : ولا حجّة لهم فيه ؛ لأنه لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام البشر ، بل ردّا على الذين يقولون : الملائكة آلهة ، لما ردّ على النّصارى قولهم : المسيح ابن الله ، وقال ردّا على النّصارى بزعمهم ؛ فإنّهم يقولون بتفضيل الملائكة ، وهذه الآية تدلّ على أنّ طبقات الملائكة مختلفة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)
قوله تعالى (فَسَيَحْشُرُهُمْ) الفاء يجوز أن تكون جوابا للشّرط في قوله : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ) ، فإن قيل : جواب «إن» الشرطية وأخواتها غير «إذا» لا بدّ أن يكون محتملا للوقوع وعدمه ، وحشرهم إليه جميعا لا بدّ منه ، فكيف وقع جوابا لها؟ فقيل في جوابه وجهان :
أصحهما : أن هذا الكلام تضمّن الوعد والوعيد ؛ لأنّ حشرهم يقتضي جزاءهم بالثواب أو العقاب ، ويدلّ عليه التفصيل الذي بعده في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ) إلى آخره ، فيكون التقدير: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر ، فيعذبه عند حشره إليه ، ومن لم يستنكف ولم يستكبر ، فيثيبه.
والثاني : أنّ الجواب محذوف ، أي : فيجازيه ، ثم أخبر بقوله : (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) ، وليس بالبيّن ، وهذا الموضوع محتمل أن يكون ممّا حمل على لفظة «من» تارة في قوله : «يستنكف» [و «يستكبر»] فذلك أفرد الضمير ، وعلى معناها أخرى في قوله : «فسيحشرهم» ولذلك جمعه ، ويحتمل أنه أعاد الضمير في «فسيحشرهم» على «من» وغيرها ، فيندرج المستنكف في ذلك ، ويكون الرابط لهذه الجملة باسم الشرط العموم المشار إليه ، وقيل : بل حذف معطوفا لفهم المعنى ، والتقدير : فسيحشرهم ، أي : المستنكفين وغيرهم ، كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ١٨] ، أي : والبرد.
و «جميعا» حال ، أو تأكيد عند من جعلها ك «كلّ» وهو الصحيح ، وقرأ الحسن (٣) : «فسنحشرهم» بنون العظمة ، وتخفيف باء «فيعذّبهم» ، وقرىء (٤) «فسيحشرهم» بكسر الشين ، وهي لغة في مضارع «حشر».
وقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ) : قد تقدّم الكلام على نظيرتها ، ولكن هنا سؤال حسن
__________________
(١) في أ : ينتسب.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٥٠٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٤٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٢٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٧١.
(٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٧١.