ووصف الصيد أنه «محل» على وجهين :
أحدهما : أن يكون معناه دخل في الحل (١) ، كما تقول : أحلّ الرجل إذا دخل في الحلّ ، وأحرم (٢) إذا دخل في الحرم.
والوجه الثاني : أن يكون معناه صار ذا حلّ أي : حلالا بتحليل الله تعالى ، وذلك أن الصيد على قسمين : حلال وحرام.
ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال ، لكنه يختصّ به شرعا ، وقد تجوزت العرب ، فأطلقت الصيد على ما لا يوصف بحلّ ولا حرمة.
كقوله : [البسيط]
١٩١٣ ـ ليث بعثّر يصطاد الرّجال إذا |
|
ما اللّيث كذّب عن أقرانه صدقا (٣) |
وقول الآخر : [الطويل]
١٩١٤ ـ وقد ذهبت سلمى بعقلك كلّه |
|
فهل غير صيد أحرزته حبائله (٤) |
وقول امرىء القيس : [المتقارب]
١٩١٥ ـ وهرّ تصيد قلوب الرّجال |
|
وأفلت منها ابن عمرو حجر (٥) |
ومجيء «أفعل» على الوجهين المذكورين كثير في لسان العرب ، فمن مجيء «أفعل» لبلوغ (٦) المكان ، ودخوله قولهم : أحرم الرجل ، وأعرق ، وأشأم ، وأيمن ، وأتهم ، وأنجد ، إذا بلغ هذه الأماكن ، وحلّ بها.
ومن مجيء «أفعل» بمعنى صار (٧) ذا كذا قولهم : أعشبت الأرض وأبقلت ، وأغدّ البعير (٨) وألبنت الشاة ، وغيرها ، وأجرت الكلب ، وأصرم النخل ، وأتلت (٩) الناقة ، وأحصد الزرع ، وأجرب الرجل ، وأنجبت المرأة.
وإذا تقرّر أنّ الصيد بوصف بكونه محلا باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بلغ الحلّ أو صار ذا حلّ ، اتّضح كونه استثناء ثانيا ، ولا يكون استثناء من استثناء ؛ إذ لا يمكن ذلك لتناقض الحكم ؛ لأنّ المستثنى من المحلل (١٠) محرّم ، [والمستثنى من المحرم
__________________
(١) في ب : صار ذا حل.
(٢) في أ : وأم.
(٣) البيت لزهير : ينظر : ديوانه (٧٧) ، ابن يعيش ١ / ٦١ ، البحر ٣ / ٤٣١ المنصف ٣ / ١٢١ ، الكشاف ٤ / ٤٦٩ ، الدر المصون ١ / ٤٧٨.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٣١ ، الدر المصون ١ / ٤٧٨.
(٥) ينظر : ديوانه ٩٥ ، البحر المحيط ٣ / ٤٣١ ، الدر المصون ٢ / ٤٧٨.
(٦) في ب : قبل بلوغ.
(٧) في أ : طار.
(٨) في أ : وأعز البعير.
(٩) في ب : وأبليت.
(١٠) في أ : المحل.