ومحلها الرفع عطفا على مرفوع ما لم يسمّ فاعله أي : وأحل لكم صيد أو أخذ ما علمتم ، فلا بد من حذف هذا المضاف.
والثاني : أنّها شرطيّة فمحلها رفع بالابتداء ، والجواب قوله : «فكلوا».
قال أبو حيان : وهذا أظهر ؛ لأنّه لا إضمار فيه.
والثالث : أنّها موصولة ـ أيضا ـ ومحلّها الرفع بالابتداء ، والخبر قوله : «فكلوا» وإنّما دخلت الفاء (١) تشبّها للموصول باسم الشّرط ، وقوله : من الجوارح في محلّ نصب ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما (٢) : أنّه الموصول وهو «ما».
والثاني : أنّه الهاء العائدة على الموصول ، وهو في المعنى كالأوّل.
والجوارح : جمع جارحة ، والهاء للمبالغة سميت بذلك ؛ لأنّها تجرح الصيد غالبا ، أو لأنّها تكسب والجرح الكسب.
ومنه : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الأنعام : ٦٠] والجارحة صفة (٣) جارية مجرى الأسماء ؛ لأنّها لم تذكر موصوفها غالبا.
وقرأ عبد الله (٤) بن عبّاس ، وابن الحنفية «علّمتم» مبنيا للمفعول ، وتخريجها : أن يكون ثمّ مضاف محذوف ، أي : وما علّمكم الله من أمر الجوارح [«مكلبين» : حال من فاعل «علمتم» ومعنى مكلبين : مؤدبين ومضرين ومعوّدين ، أي : حال تكلبيكم](٥) هذه الجوارح ، أي : إغرائكم إياها على الصّيد.
قال أبو حيّان (٦) : وفائدة هذه الحال ، وإن كانت مؤكدة لقوله : «علّمتم» ـ فكان يستغنى عنها ـ أن يكون المعلم ماهرا بالتعليم ، حاذقا فيه موصوفا به ا ه.
وفي جعله هذه الحال مؤكدة نظر ، بل هي مؤسسة.
واشتقّت هذه الحال من لفظ «الكلب» هذا الحيوان المعروف ، وإن كانت الجوارح يندرج فيها غيره حتى سباع الطيور تغليبا له ؛ لأنّ الصّيد أكثر ما يكون به عند العرب.
أو اشتقت من «الكلب» ، وهو الضّراوة ، ويقال : هو كلب بكذا أي : حريص ، وبه كلب أي حرص ، وكأنه ـ أيضا ـ مشتقّ من الكلب هذا الحيوان لحرصه (٧) أو اشتقت من الكلب ، والكلب : يطلق على السّبع ـ أيضا ـ.
__________________
(١) في أ : ألفا.
(٢) في ب : أحدها.
(٣) في أ : صفه.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٤٥ ، والدر المصون ٢ / ٤٨٩.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٤٤.
(٧) في أ : لمرضه.