الذين قالوا إنّا نصارى ، ويكون قوله : (أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) على هذا مستأنفا ، وهذا ينبغي ألّا يجوز لوجهين :
أحدهما : الفصل غير المغتفر.
والثاني : أنّه تهيئة (١) للعامل في شيء ، وقطعه عنه ، وهو لا يجوز.
فصل
إنما (٢) قال : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) ولم يقل : «ومن النصارى» ؛ لأنّهم سمّوا أنفسهم بهذا الاسم ادّعاء لنصرة الله ، بقولهم لعيسى : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) [آل عمران : ٥٢] ، وليسوا موصوفين به.
قال الحسن : فيه دليل على أنّهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله (٣) وقيل : أراد بهم اليهود والنّصارى ، فاكتفى بذكر أحدهما (٤) ، والصّحيح الأوّل ، والمراد ب «ميثاقهم» أنّه مكتوب في الإنجيل أن يؤمنوا بمحمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ «فنسوا حظّا ممّا ذكّروا به» وذلك الحظّ هو الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوسلم وتنكير «الحظّ» يدلّ على أنّ المراد به حظّ واحد ، وهو الإيمان بمحمّد ، وإنما خصّ هذا الواحد بالذّكر مع أنّهم تركوا كثيرا ممّا أمرهم به ، لأنّ هذا هو المهمّ الأعظم.
وقوله : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بالأهواء المختلفة والجدال في الدّين ، فقيل : بين اليهود والنّصارى ، وقيل : بين فرق النّصارى ، وأن (٥) بعضهم يكفّر بعضا إلى يوم القيامة.
وقوله : (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) وعيد لهم.
قوله : «بينهم» فيه وجهان :
أحدهما : أنّه ظرف ل «أغرينا».
والثاني : أنّه حال من «العداوة» ، فيتعلّق بمحذوف ، ولا يجوز أن يكون ظرفا للعداوة ؛ لأنّ المصدر لا يتقدّم معموله عليه.
و (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أجاز فيه أبو البقاء (٦) أن يتعلّق ب «أغرينا» ، أو ب «العداوة» أو ب «البغضاء» أي : أغرينا إلى يوم القيامة [بينهم العداوة والبغضاء ، أو أنهم يتعادون إلى يوم القيامة](٧) أو يتباغضون إلى يوم القيامة.
__________________
(١) في أ : لهيئة.
(٢) في أ : أنها.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٢٢.
(٤) في أ : أخذتم.
(٥) في ب : فإن.
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢١١.
(٧) سقط في أ.