أظهرها : [أنّ «من»](١) متعلّق بقوله : «أخذنا» ، والتّقدير الصّحيح فيه أن يقال : تقديره : وأخذنا من الذين قالوا : إنّا نصارى ميثاقهم ، فتوقع «الّذين» بعد «أخذنا» وتؤخر عنهم «ميثاقهم» ، ولا يجوز أن تقدّر : «وأخذنا ميثاقهم» من «الّذين» فيتقدّم «ميثاقهم» على (الَّذِينَ قالُوا).
وإن كان ذلك جائزا من حيث كونهما مفعولين ، كلّ منهما جائز التّقديم والتّأخير ؛ لأنّه يلزم عود الضّمير على متأخّر لفظا ورتبة وهو لا يجوز إلا في مواضع محصورة ، نصّ على ذلك جماعة (٢) منهم مكّي (٣) وأبو البقاء (٤).
والثاني : أنّه متعلّق بمحذوف على أنّه خبر لمبتدأ محذوف ، قامت صفته مقامه ، والتّقدير : «ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا ميثاقهم» ، فالضّمير في «ميثاقهم» يعود على ذلك المحذوف.
والثالث : خبر مقدّم ـ أيضا ـ ولكن قدّروا المبتدأ موصولا حذف ، وبقيت [صلته](٥) والتقدير : ومن الّذين قالوا : إنّا نصارى من أخذنا ميثاقهم فالضمير في «ميثاقهم» عائد على «من» ، والكوفيّون يجيزون حذف الموصول ، وقد تقدم لنا معهم البحث في ذلك ، ونقل مكّي (٦) مذهب الكوفييّن هذا ، [وقدّره عندهم : «ومن الذين قالوا إنّا نصارى من أخذنا»](٧) ، وهذا التّقدير لا يؤخذ منه أنّ المحذوف موصول فقط ، بل يجوز أن تكون «من» المقدّرة نكرة موصوفة حذفت وبقيت صفتها ، فيكون كالمذهب الأوّل.
الرابع : أن تتعلّق «من» ب «أخذنا» كالوجه الأوّل ، إلا أنّه لا يلزم فيه ذلك التّقدير ، وهو أن توقع (مِنَ الَّذِينَ) بعد «أخذنا» وقبل : «ميثاقهم» ، بل يجوز أن يكون التّقدير على العكس ، بمعنى : أنّ الضّمير في «ميثاقهم» يعود على بني إسرائيل ، ويكون المصدر من قوله : «ميثاقهم» مصدرا تشبيهيّا ، والتّقدير : أخذنا من النّصارى ميثاقا مثل ميثاق بني إسرائيل ، كقولك : أخذت من زيد ميثاق عمرو ، أي [ميثاقا مثل ميثاق عمرو](٨) ، وبهذا الوجه بدأ الزّمخشري ، فإنّه قال : أخذنا من النّصارى ميثاق من ذكر قبلهم من قوم موسى ، أي : مثل ميثاقهم بالإيمان بالله والرّسل.
والخامس : أن «من الّذين» معطوف على «منهم» في قوله : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أي : من اليهود [والمعنى : ولا تزال تطّلع على خائنة من اليهود](٩) ، ومن
__________________
(١) في أ : أنه.
(٢) في أ : الجماعة.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٢٣.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢١١.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : المشكل ١ / ٢٢٣.
(٧) سقط في أ.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في أ.