وقوله : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ، أي : لا يظهر كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ، فلا يتعرّض لكم ، ولا يؤاخذكم به ؛ لأنّه لا حاجة له إلى إظهاره ، والفائدة في ذلك : أنهم (١) علموا كون الرّسول عالما بكلّ ما يخفونه ، فيصير ذلك داعيا لهم إلى ترك الإخفاء ، لئلا يفتضح أمرهم(٢).
والضّمير في «يبيّن» و «يعفو» يعود على الرّسول.
وقد جوّز قوم أن يعود على الله تعالى ، وعلى هذا فلا محلّ لقوله : «يبيّن» من الإعراب ، ويمتنع أن يكون حالا من «رسولنا» لعدم الرّابط ، وصفة «كثير» محذوفة للعلم بها ، وتقديره: عن كثير من ذنوبكم ، وحذف الصّفة قليل.
قوله : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) لا محلّ له [من الإعراب](٣) لاستئنافه ، ، و (مِنَ اللهِ) يجوز أن يتعلق ب «جاء» ، وأن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال من «نور» ، قدّمت صفة النّكرة عليها ، فنصبت حالا.
فصل في معنى الآية
والمراد بالنّور : محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وبالكتاب : القرآن ، وقيل : المراد بالنّور: الإسلام ، وبالكتاب القرآن ، وقيل : النّور والكتاب والقرآن ، وهذا ضعيف ؛ لأنّ العطف يوجب التّغاير.
قوله تعالى : «يهدي» فيه خمسة أوجه :
أظهرها : أنّه في محلّ رفع ؛ لأنّه صفة ثانية (٤) ل «كتاب» ، وصفه بالمفرد ثم بالجملة ، وهو الأصل.
الثاني : أن يكون صفة أيضا لكن ل «نور» ، وصفه بالمفرد ثم بالجملة ، ذكره أبو البقاء(٥) وفيه نظر ، إذ القاعدة أنّه إذا اجتمعت التّوابع قدّم النّعت على عطف النّسق ، تقول جاء زيد العاقل وعمرو ، ولا تقول : جاء زيد وعمرو العاقل ؛ لأنّ فيه إلباسا أيضا.
الثالث : أن يكون حالا من «كتاب» ، لأن النّكرة لما تخصّصت بالوصف قربت من المعرفة.
وقياس (٦) قول أبي البقاء أنّه يجوز أن يكون [حالا من «نور» ، كما جاز أن يكون](٧) صفة له (٨).
__________________
(١) في أ : إذا.
(٢) في ب : يفتضحوا.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : ثابتة.
(٥) ينظر الإملاء ١ / ٢١٢.
(٦) في أ : وقيل.
(٧) سقط في أ.
(٨) سقط في أ.