وعن الكلبيّ بين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة وألفا نبيّ ، وبين عيسى ومحمد أربعة من الأنبياء ؛ ثلاثة من بني إسرائيل ، وواحد من العرب وهو خالد بن سنان العبسي (١).
والفائدة في بعثة محمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ على فترة من الرّسل ؛ لأنّ التّحريف والتّغيير قد تطرّق إلى الشّرائع المتقدّمة ، لتقادم عهدها وطول أزمانها ، ولهذا السّبب اختلط (٢) الحقّ بالباطل ، والصّدق بالكذب ، فصار عذرا للخلق في إعراضهم عن العبادات.
وسمّيت فترة ؛ لأنّ الرّسل كانت تترى (٣) بعد موسى ـ عليهالسلام ـ من غير انقطاع إلى عيسى ، ولم يكن بعد عيسى سوى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا ما تقدّم عن الكلبي.
قوله : «أن تقولوا» مفعول من أجله ، فقدّره الزّمخشري (٤) «كراهة أن تقولوا».
وأبو البقاء (٥) «مخافة أن تقولوا» ، والأوّل أولى وقوله : «يبيّن» يجوز ألّا يراد له مفعول ألبتّة ، والمعنى : يبذل لكم البيان ، ويجوز أن يكون محذوفا إمّا لدلالة اللّفظ عليه ، وهو ما تقدّم من قوله : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً) وإمّا لدلالة الحال أي : يبيّن لكم ما كنتم تختلفون فيه.
و (مِنْ بَشِيرٍ) فاعل زيدت فيه «من» لوجود الشّرطين ، و «لا نذير» عطف على لفظه ، ولو قرىء برفعه (٦) مراعاة لوضعه جاز.
وقوله : (فَقَدْ جاءَكُمْ) عطف على جملة مقدّرة ، أي : لا تعتذروا فقد جاءكم ، وما بعد هذا من الجمل واضح الإعراب لما تقدّم من نظائره.
ثم قال : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، والمعنى : [أنّ](٧) حصول الفترة يوجب احتياج الخلق إلى بعثة الرّسل عليهمالسلام ، والله قادر على البعثة ؛ لأنّه رحيم كريم قادر على البعثة ، فوجب (٨) في رحمته وكرمه أن يبعث إليهم الرّسل.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما
__________________
(١) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ١٥٤) عن الكلبي.
(٢) في أ : يختلط.
(٣) في أ : ترسل.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦١٩.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٢.
(٦) في أ : برفقة.
(٧) سقط في أ.
(٨) في ب : يوجب.