سنة ، ونشأت [النّواشىء](١) من ذراريهم ساروا إلا حرب الجبّارين ، واختلفوا فيمن تولّى الحرب وعلى يدي من كان الفتح فقيل : إنّما فتح أريحاء موسى ، وكان يوشع على مقدمته ، فسار موسى عليهالسلام إليهم فيمن بقي من بني إسرائيل فدخلها يوشع ، فقاتل الجبابرة ثم دخلها موسى ، وأقام فيها ما شاء الله ، ثم قبضه الله إليه ، ولا يعلم قبره أحد ، وهذا أصحّ الأقوال. وقيل : إنما قاتل الجبّارين يوشع ، ولم يسر إليهم إلا بعد موت موسى ـ عليهالسلام ـ ، وقالوا : مات موسى وهارون جميعا في التّيه.
قال القرطبيّ (٢) : روى مسلم عن أبي هريرة قال : أرسل الله ملك الموت إلى موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فلما جاءه ، صكّه وفقأ عينه ، فرجع إلى ربّه فقال : «أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت» ، قال : فردّ الله إليه عينه ، وقال : ارجع إليه وقل له : يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة. قال : «أي رب ثم مه» ، قال : «ثم الموت» قال : «فالآن» ؛ فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدّسة رمية بحجر ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فلو كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر» فهذا نبينا صلىاللهعليهوسلم قد علم قبره ووصف موضعه ، ورآه فيه قائما يصلي كما في حديث الإسراء ، إلا أنه يحتمل أن يكون أخفاه الله عن الخلق سواه ولم يجعله مشهورا عندهم ؛ ولعل ذلك لئلا يعبد ، والله أعلم. ويعني بالطريق طريق بيت المقدس. ووقع في بعض الروايات إلى جانب الطّور مكان الطريق. واختلف العلماء في تأويل لطم موسى عين ملك الموت وفقئها على أقوال ؛ منها : أنها كانت عينا متخيلة لا حقيقة ، وهذا باطل ، لأنه يؤدّي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له.
ومنها : أنها كانت عينا معنوية وإنما فقأها بالحجة ، وهذا مجاز لا حقيقة. ومنها : أنه عليهالسلام لم يعرف ملك الموت ، وأنه رأى رجلا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها ؛ وتجب المدافعة في هذا بكل ممكن. وهذا وجه حسن ؛ لأنه حقيقة في العين والصّك ؛ قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة ، غير أنه اعترض عليه بما في الحديث ؛ وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال : «يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت» فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول من ملك الموت ؛ وأيضا قوله في الرواية الأخرى : «أجب ربك» يدلّ على تعريفه بنفسه. والله أعلم. ومنها : أن موسى عليه الصلاة والسلام كان سريع الغضب ، إذا غضب طلع الدّخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبّته ؛ وسرعة غضبه كانت سببا لصكّه ملك الموت.
قال ابن العربي : وهذا كما ترى ، فإن الأنبياء معصومون أن يقع منهم ابتداء مثل هذا في الرضا والغضب. ومنها وهو الصحيح من هذه الأقوال : أن موسى عليه الصلاة
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : القرطبي ٦ / ٨٧.