وقرأ الحسن ، وزيد بن علي وجماعة (١) كثيرة «فطاوعت» ، وأبدى الزّمخشريّ (٢) فيها احتمالين :
أحدهما : أن يكون ممّا جاء فيه «فاعل» لغير مشاركة بين شيئين ، بل بمعنى «فعّل» نحو : ضاعفته وضعّفته ، وناعمته ونعّمته ، وهذان المثالان من أمثلة سيبويه (٣).
قال : «فجاءوا به على مثال عاقبته».
قال : وقد تجيء : «فاعلت» لا تريد بها عمل اثنين ، ولكنّهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على «أفعلت» ، وذكر أمثلة منها : «عافاه الله» ، وقلّ من ذكر أن «فاعل» يجيء بمعنى «فعّلت».
والاحتمال الثاني : أن تكون على بابها من المشاركة ، وهو أنّ قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته انتهى.
وإيضاح (٤) العبارة في ذلك أن يقال : جعل القتل يدعو إلى نفسه لأجل الحسد الذي لحق قابيل ، وجعلت النّفس تأبى ذلك وتشمئزّ منه ، فكلّ منهما ـ أعني القتل والنّفس ـ كأنه يريد من صاحبه أن يطيعه إلى أن غلب القتل النّفس فطاوعته ، و «له» متعلّق ب «طوّعت» على القراءتين.
قال الزّمخشريّ (٥) : و «له» لزيادة الرّبط ، كقولك : حفظت لزيد ماله. يعني أنّ الكلام تامّ بنفسه.
ولو قيل : فطوّعت نفسه قتل أخيه ، كما كان كذلك في قولك «حفظت مال زيد» فأتى بهذه «اللّام» لقوة ربط الكلام.
قال أبو البقاء (٦) : وقال قوم : طاوعت تتعدّى بغير «لام» ، وهذا خطأ ؛ لأنّ التي تتعدى بغير اللّام تتعدى لمفعول واحد ، وقد عدّاه هنا إلى قتل أخيه.
وقيل : التّقدير : طاوعته نفسه قتل أخيه ، فزاد «اللّام» وحذف «على» ، أي : زاد اللّام في المفعول به وهو «الهاء» ، وحذف [«على» الجارّة ل «قتل أخيه»].
قالت المعتزلة (٧) : لو كان خالق الكلّ هو الله لكان ذلك التّزيين والتّطويع مضافا إلى الله ـ تعالى ـ لا إلى النّفس.
والجواب : أنّ الأفعال لما استندت إلى الدّواعي ، وكان فاعل تلك الدواعي هو الله
__________________
(١) وقرأ بها الحسن بن عمران وأبو واقد كما في المحرر الوجيز ٢٠ / ١٨٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٧٩ ، والدر المصون ٢ / ٥١٢ ، والكشاف ١ / ٦٢٦.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٦.
(٣) ينظر : الكتاب ٢ / ٢٣٩.
(٤) في ب : افصاح.
(٥) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٦).
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٤.