فكان فاعل الأفعال كلها هو الله ـ تعالى ـ ثم قال تعالى «فقتله» ، قيل : لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل.
قال ابن جريج (١) : فتمثّل له إبليس ، فأخذ طائرا ووضع رأسه على حجر ، ثم شدخ له حجرا آخر ، وقابيل ينظر إليه فعلّمه القتل ، فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين ، قيل : قتله وهو مستسلم ، وقيل : اغتاله وهو نائم (٢).
وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة ، واختلفوا في موضع قتله :
قال ابن عبّاس (٣) ـ رضي الله عنهما ـ على جبل ثور (٤) ، وقيل : عند عقبة حراء ، وقيل : بالبصرة عند موضع المسجد الأعظم (٥) ، فلمّا قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به ؛ لأنّه كان أول ميّت على وجه الأرض من بني آدم ، وقصده السّباع فحمله في جراب على ظهره أربعين يوما (٦).
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : سنة حتى أروح (٧) ، وعكفت عليه الطّير والسّباع تنظر متى يرمي به فتأكله ثم قال : (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) : الحائرين.
قال ابن عبّاس (٨) ـ رضي الله عنهما ـ خسر دنياه وآخرته أما الدّنيا : فإنه أسخط والديه ، وبقي مذموما إلى يوم القيامة ، وأما الآخرة : فهي العقاب الدّائم العظيم.
قيل : إنّ قابيل لما قتل أخاه [هابيل](٩) ، هرب إلى عدن من أرض اليمن ، فأتاه إبليس فقال له : إنّما أكلت النّار قربان هابيل ؛ لأنّه كان يخدم النّار ويعبدها ، فإن عبدت أنت أيضا النّار حصل مقصودك ، فبنى بيت نار وهو أوّل من عبد النّار (١٠) ، وروي أنّه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض ، فسأله آدم عن أخيه ، فقال : ما كنت عليه وكيلا ، فقال : بل قتلته ، ولذلك اسودّ جسدك ، ومكث آدم بعده مائة سنة لم يضحك قطّ.
قال الزمخشري (١١) : روي أنّه رثاه بشعر ، وهو كذب بحت والأنبياء معصومون عن
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٦) عن ابن جريج وعن مجاهد بنحوه وعزاه القرطبي لمجاهد وابن جريج ونسبه للأكثر ٦ / ٩١.
(٢) ذكره الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٦) فقال : وقال بعضهم. فذكره.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٩١.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٠.
(٥) قاله جعفر الصادق. ينظر : القرطبي ٦ / ٩٢.
(٦) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٠.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٨) عن عطية العوفي.
(٨) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٤.
(٩) سقط في أ.
(١٠) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٩٢ ، والرازي ١١ / ١٦٤.
(١١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٦.