ورده أبو البقاء (١) بعد أن حكاه عن قوم ، قال : وذكر بعضهم : أنه يجوز أن ينتصب على جواب الاستفهام ؛ وليس بشيء ، إذ ليس المعنى : أيكون منّي عجز فمواراة ، ألا ترى أن قولك : «أين بيتك فأزورك» معناه : لو عرفت لزرت ليس المعنى هنا «لو عجزت لواريت».
قال شهاب الدين (٢) : وهذا الرّدّ على ظاهره صحيح.
وبسط عبارة أبي البقاء : أنّ النّحاة يشترطون في جواز نصب الفعل بإضمار «أن» بعد الأشياء الثمانية ـ غير النّفي ـ أن ينحلّ الكلام إلى شرط وجزاء فإن انعقد منه شرط وجزاء صحّ النّصب ، وإلّا امتنع ، ومنه «أين بيتك فأزورك [أي] إن عرّفتني بيتك أزورك».
وفي هذا المقام لو حلّ منه شرط وجزاء لفسد المعنى ؛ إذ يصير التّقدير : إن عجزت واريت (٣) ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنه إذا عجز كيف يواري.
وردّ أبو حيّان على الزّمخشريّ بما تقدّم ، وجعله غلطا فاحشا وهو مسبوق إليه كما رأيت ، فأساء عليه الأدب بشيء نقله عن غيره الله أعلم بصحّته.
وقد قرأ الفيّاض بن غزوان ، وطلحة بن مصرف (٤) «بسكون الياء» ، وخرّجها الزمخشري (٥) على أحد وجهين :
إمّا القطع ، أي : فأنا أواري ، وإمّا على التّسكين في موضع النصب تخفيفا.
وقال ابن عطيّة (٦) : «هي لغة (٧) لتوالي الحركات».
قال أبو حيّان (٨) : «ولا يصلح أن تعلّل القراءة بهذا ما وجد عنه مندوحة ؛ إذ التّسكين في الفتحة لا يجوز إلّا ضرورة ، وأيضا فلم تتوال حركات».
وقوله «فأصبح» بمعنى «صار».
قال ابن عطيّة (٩) : قوله : «أصبح» عبارة عن جميع أوقاته أقيم بعض الزّمان مكان كله ، وخصّ الصّباح بذلك [لأنه](١٠) بدء النهار ، والانبعاث إلى الأمور ، ومظنّة النّشاط ، ومنه قول الرّبيع : [المنسرح]
١٩٥٣ ـ أصبحت لا أحمل السّلاح ولا |
|
............... (١١) |
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.
(٢) ينظر : الدر المصون (٢ / ٥١٤).
(٣) في ب : ورأيته.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٨١ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٨١ ، والدر المصون ٢ / ٥١٤.
(٥) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٦).
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٨١.
(٧) في ب : لغيّة وكذا في الدر المصون والمثبت موافق لما في المحرر ٢ / ١٨١.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٨١.
(٩) ينظر : المحرر الوجيز (٢ / ١٨١).
(١٠) سقط في أ.
(١١) تقدم.