الْغُرابِ). فإن قيل : لفظ النّدم وضع للزوم ، ومنه سمّي النّديم نديما لأنه يلازم المجلس.
فالجواب : أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : «النّدم توبة» (١) وأجابوا عنه بوجوه :
أحدها : أنه لما تعلّم الدّفن من الغراب صار من [النّادمين على كونه حمله على ظهره سنة.
وثانيها : أنه صار من النّادمين](٢) ؛ لأنّه لم ينتفع بقتله ، وسخط عليه بسببه أبواه وإخوته ، وكان ندمه لهذه الأسباب لا لكونه معصية.
وثالثها : أنّ ندمه كان لأجل تركه بالعراء استخفافا به بعد قتله ، لأنّ الغراب لما قتل الغراب ودفنه ، ندم على قساوة قلبه ، وقال : هذا أخي وشقيقي ومن لحمه مختلط بدمي ، فإذا ظهرت الشّفقة من الغراب ولم تظهر منّي على أخي ، كنت دون الغراب في الرّحمة والشّفقة والأخلاق الحميدة ، فكان ندمه لهذه (٣) الأسباب ، لا للخوف من الله ـ تعالى ـ ، فلذلك لم ينفعه النّدم.
قال المطّلب بن عبد الله بن حنطب : لمّا قتل ابن آدم أخاه ، وجفّت الأرض سبعة أيّام بما عليها ، ثمّ شربت الأرض دمه كما تشرب الماء ، فناداه [آدم](٤) : أين أخوك هابيل؟ قال : ما أدري ما كنت عليه رقيبا. فقال آدم : إن دم أخيك ليناديني من الأرض. فلم قتلت أخاك؟ قال : فأين دمه إن كنت قتلته؟ فحرّم الله ـ عزوجل ـ على الأرض أن تشرب بعده [دما](٥) أبدا ، وقيل لقابيل : اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا تأمن من تراه ، فأخذ بيد أخته «إقليما» وهرب بها إلى اليمن ، فأتاه إبليس فقال له : إنّما أكلت النّار قربان أخيك هابيل ؛ لأنّه كان يعبد النّار فانصب أنت أيضا نارا ، وهو أوّل من عبد النّار قال مجاهد (٦) : فعلقت إحدى رجلي قابيل إلى فخذها وساقها ، وعلقت من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه إلى الشمس حيث ما دارت عليه ، في الصّيف حظيرة من نار ، وفي الشّتاء حظيرة من ثلج (٧) ، واتّخذ أولاد قابيل آلات اللهو ، وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزّنا والفواحش ، حتّى غرقهم الله بالطّوفان أيّام نوح ـ عليهالسلام ـ وبقي نسل شيث.
__________________
(١) أخرجه أحمد ٢ / ٣٧٦ ، ٤٢٣ ، وابن ماجه ٢ / ١٤٢ ، والحاكم ٤ / ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، وابن عبد البر في التمهيد ٤ / ٤٥ والبيهقي في الشعب ٥ / ٤٣٦ ، ٤٣٧ والطيالسي ٢ / ٧٧ منحة المعبود.
قال العراقي في تخريج الإحياء ٤ / ٣ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصحح إسناده من حديث ابن مسعود ورواه ابن حبان والحاكم من حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : لأجل هذه.
(٤) في أ : الله عزوجل.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣١.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٢٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٨٤) عن مجاهد وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.