قال : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا) وهذا تصريح بأن كتبه تلك الأحكام معلّل بتلك المعاني المشار إليها بقوله (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ).
وقالت المعتزلة :
دلّت هذه الآية على أنّ أحكام الله معلّلة بمصالح العباد ، وإذا ثبت ذلك امتنع كونه خالقا للكفر والقبائح ، مريدا وقوعها منهم ؛ لأنّ خلق القبائح وإرادتها يمنع من كونه تعالى مراعيا للمصالح ، وذلك يبطل التّعليل المذكور في هذه الآية.
وأجاب القائلون بأنّ تعليل أحكام الله محال بوجوه :
أحدها : أن العلّة إذا كانت قديمة لزم قدم المعلول ، وإن كانت محدثة وجب تعليلها بعلّة أخرى ولزم التّسلسل.
وثانيها : لو كان معلّلا بعلّة ، فوجود تلك [العلّة](١) وعدمها بالنّسبة إلى الله تعالى إن كان على السّويّة امتنع كونه علّة ، وإن لم يكن فأحدهما به أولى ، وذلك يقتضي كونه مستفيدا تلك الأولويّة من ذلك الفعل [فيكون ناقصا لذاته مستكملا بغيره وهو محال.
وثالثها : ثبت توقف الفعل](٢) على الدّواعي ، ويمتنع وقوع التّسلسل في الدّواعي ، بل يجب انتهاؤها إلى الدّاعية الأولى التي حدثت في العبد ، لا من العبد بل من الله تعالى ، وثبت أنّ عند حدوث الدّاعية يجب الفعل. وعلى هذا التقدير : فالكلّ من الله تعالى ، وهذا يمتنع من تعليل أفعال الله وأحكامه برعاية المصالح ، وإذا ثبت امتناع تعليل أفعال الله وأحكامه ثبت خلوّ ظاهر هذه الآية من المتشابهات ، ويؤكّده قوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، وذلك نصّ صريح في أنّه يحسن من الله كلّ شيء ، ولا يتوقّف خلقه وحكمه على رعاية المصلحة ألبتة.
قوله تعالى (بِغَيْرِ نَفْسٍ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق بالقتل (٣) قبلها.
والثاني : أنّه في محلّ حال من ضمير الفاعل في «قتل» ، أي : قتلها ظالما ، ذكره أبو البقاء (٤).
وقوله تعالى (أَوْ فَسادٍ) الجمهور على جرّه عطفا على «نفس» المجرور بإضافة [«غير» إليها](٥) ، وقرأ الحسن (٦) بنصبه ، وفيه وجهان :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : بالفعل.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.
(٥) في أ : ضمير الهاء.
(٦) ينظر : الشواذ ٣٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ١٨٢ ، والدر المصون ٢ / ٥١٥.