ففي كلّ بلد يوجد ينفى عنه (١) ، وقيل : يطلبون ليقام عليهم الحدود ، وهو قول ابن عبّاس ، واللّيث بن سعد ، وبه قال الشّافعي ، وإسحاق (٢).
وقال أبو حنيفة : النّفي هو : الحبس ، وهو اختيار أهل اللّغة.
قالوا : لأن قوله (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) : إمّا أن يكون المراد به النّفي من جميع الأرض ، وذلك غير ممكن مع بقاء الحياة ، [وإمّا](٣) أن يكون المراد إخراجه من تلك البلدة إلى بلدة أخرى وهو غير جائز ، لأنّه إمّا أن ينفى من بلاد الإسلام فيؤذيهم ، أو إلى بلاد الكفر فيكون تعريضا له بالرّدّة ، وذلك غير جائز ، فلم يبق إلّا أن يكون المراد من النّفي نفيه عن جميع الأرض إلى مكان الحبس قالوا : والمحبوس : قد يسمّى منفيا من الأرض لأنه لا ينتفع بشيء من طيّبات الدّنيا ولذّاتها ، ولا يرى أحدا من أحبابه ، فصار منفيا عن اللّذات والشّهوات والطّيّبات فكان كالمنفي في الحقيقة ، ولما حبسوا صالح بن عبد القدّوس على تهمة الزّندقة في حبس ضيق وطال لبثه هناك ذكر شعر منه : [الطويل]
١٩٥٧ ـ خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها |
|
فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا (٤) |
وقال ـ سامحه الله وعفا عنه وعنّا ـ قوله : [الطويل]
١٩٥٨ ـ إذا [جاءنا] (٥) السّجّان يوما لحاجة |
|
عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدّنيا (٦) |
قوله تعالى : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا).
«ذلك» إشارة إلى الجزاء المتقدّم ، وهو مبتدأ.
وقوله : «لهم خزي» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون «لهم» (٧) خبرا متقدّما ، و «خزي» مبتدأ مؤخّر ، و (فِي الدُّنْيا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٥٥٤) عن سعيد بن جبير والبغوي ٢ / ٣٣.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٣.
(٣) سقط في أ.
(٤) هذا البيت والبيت الذي بعده من قصيدة واحدة ، ويرويان :
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها |
|
فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا |
إذا جاءنا السجان يوما لحاجة |
|
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا |
ينظر : القرطبي ٦ / ١٠٠ ، وروح المعاني ٣ / ١١٩.
كما يرويان :
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها |
|
فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى |
إذا جاءنا السجان يوما لحاجة |
|
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا |
ينظر : مشكل القرآن لابن قتيبة ص ٤٠٠ ، والفخر الرازي ١٢ / ١٧١ ، وعيون الأخبار ١ / ٨١ ـ ٨٢.
وأمالي الشريف المرتضى ١ / ١٠١ ، والمحاسن والأضداد ص ٣٨.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : تخريج البيت السابق.
(٧) في أ : خزي.