الثاني : أنّه لما ذكر تعظيم أمر القتل حيث قال : «من قتل نفسا بغير نفس [أو فساد في الأرض](١) فكأنما قتل النّاس جميعا ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا» ذكره بعد الجنايات التي تبيح القتل والإيلام فذكر :
أولا : قطع الطريق.
وثانيا : من السّرقة.
قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) قرأ الجمهور بالرفع.
وعيسى بن عمر وابن أبي عبلة (٢) بالنّصب.
ونقل عن أبيّ (٣) : «والسّرّق والسّرّقة» بضم السّين وفتح الرّاء مشدّدتين ؛ قال الخفّاف : «وجدته في مصحف أبيّ كذلك».
وممن ضبطهما بما ذكرت أبو عمرو ، إلّا أن ابن عطيّة جعل هذه القراءة تصحيفا [فإنّه قال : «ويشبه أن يكون هذا تصحيفا](٤) من الضابط». لأن قراءة الجماعة إذا كتبت : «والسّرق» : بغير ألف وافقت في الخط هذه ، قلت : ويمكن توجيه هذه القراءة بأنّ «السرق» جمع «سارق» ، فإنّ فعّلا يطّرد جمعا لفاعل صفة ، نحو ضارب وضرّب.
والدّليل على أنّ المراد الجمع قراءة (٥) عبد الله «والسّارقون والسّارقات» بصيغتي جمع السلامة ، فدلّ على أنّ المراد الجمع ، إلا أنه يشكل في أنّ «فعّلا» يكون من جمع : فاعل وفاعلة تقول : نساء ضرّب ، كما تقول : رجال ضرّب ، ولا يدخلون عليه تاء التّأنيث حيث يراد به الإناث ، والسّرّقة هنا ـ كما رأيت ـ في هذه القراءة بتاء التّأنيث ، حيث أريد ب «فعّل» (٦) جمع فاعلة ، فهو مشكل من هذه الجهة لا يقال : إن هذه التّاء يجوز أن تكون لتأكيد الجمع ؛ لأنّ ذلك محفوظ لا يقاس عليه نحو : «حجارة» وأمّا قراءة الجمهور ففيها وجهان :
أحدهما : هو مذهب سيبويه (٧) ، والمشهور من أقوال البصريّين أن «السّارق» مبتدأ محذوف الخبر تقديره : «فيما يتلى عليكم» أو فيما فرض ـ «السّارق» و «السّارقة» أي : حكم السّارق ، وكذا قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) [النور : ٢].
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٨٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٩٠ ، والدر المصون ٢ / ٥٢٠ والشواذ ٣٨.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٨٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٨٩ ، والدر المصون ٢ / ٥٢٠.
(٤) سقط في أ.
(٥) وبها قرأ إبراهيم النخعي ، كما في المحرر الوجيز ٢ / ١٨٨ ، وينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٨٨ ، والدر المصون ٢ / ٥٢٠.
(٦) في أ : مفعل.
(٧) ينظر : الكتاب ١ / ٧١ ، ٧٢.