بالباء ، و «على» قال (١) الزمخشري (٢) : «قفّيته» مثل : عقّبته إذا أتبعته ، ثم يقال : «قفّيته بفلان» مثل : عقّبته به ، فتعديه إلى الثاني بزيادة «الباء».
فإن قلت : فأين المفعول الأول؟
قلت : هو محذوف ، والظرف الذي هو (عَلى آثارِهِمْ) كالسّادّ مسدّه ؛ لأنه إذا قفّى به على أثره ، فقد قفّى به إياه ، فكلامه هنا ينحو إلى أنّ «قفّيته» مضعفا ك «قفوته» ثلاثيا ثم عدّاه بالباء ، وهذا وإن كان صحيحا من حيث إنّ «فعّل» قد جاء بمعنى «فعل» المجرد ك «قدّر وقدر» ، إلا أنّ بعضهم زعم أن تعدية المتعدي لواحد لا يتعدّى إلى ثان بالباء ، لا تقول في «طعم زيد اللحم» : «أطعمت زيدا باللحم» ولكن الصواب أنه قليل غير ممتنع ، جاءت منه ألفاظ قالوا : «صكّ الحجر الحجر» ثم يقولون : صككت الحجر بالحجر ، و «دفع زيد عمرا» ثم : دفعت زيدا بعمرو ، أي : جعلته دافعا له ، فكلامه إما ممتنع ، أو محمول على القليل ، وقد تقدم في البقرة الإشارة إلى منع ادّعاء حذف المفعول من نحو «قفّينا» في البقرة [الآية ٨٧].
وناقشه أبو حيان (٣) في قوله : «فقد قفّى به إياه» من حيث إنه أتى بالضمير المنفصل مع قدرته على المتصل ، فيقول : «قفيته به».
قال : «ولو قلت : «زيد ضربت بسوط إياه» لم يجز إلا في ضرورة شعر ، بل ضربته بسوط» ، وهذا ليس بشيء ، لأن ذلك من باب قوله : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) [الممتحنة : ١] (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ) [النساء : ١٣١] وقد تقدّم تحقيقه.
والضمير في «آثارهم» : إمّا للنبيين ؛ لقوله : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) وإمّا لمن كتبت عليهم تلك الأحكام ، والأول أظهر ؛ لقوله في موضع آخر : (بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ).
و «مصدقا» حال من «عيسى».
قال ابن عطية (٤) : وهي حال مؤكّدة ، وكذلك قال في «مصدقا» الثانية ، وهو ظاهر فإن من لازم الرّسول والإنجيل الذي هو كتاب إلهي أن يكونا مصدّقين.
و «لما» متعلّق به.
وقوله : «من التوراة» حال : إما من الموصول ، وهو «ما» المجرورة باللام ، وإما من الضمير المستكنّ في الظرف لوقوعه صلة ، ويجوز أن تكون لبيان جنس الموصول.
قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) يجوز فيها وجهان :
__________________
(١) في ب : قول.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٣٩.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥١٠.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٩٩.