وثّاب : «أنبئكم» بتخفيفها من «أنبأ» ، وهما لغتان فصيحتان ، والجمهور (١) أيضا على «مثوبة» بضم الثاء وسكون الواو ، وقرأ (٢) الأعرج وابن بريدة ونبيح وابن عمران : «مثوبة» بسكون الثاء وفتح الواو ، وجعلها ابن جنّيّ (٣) في الشذوذ ؛ كقولهم «فاكهة مقودة للأذى» ، بسكون القاف وفتح الواو ، يعني : أنه كان من حقّها أن تنقل حركة الواو إلى الساكن قبلها ، وتقلب الواو ألفا ، فيقال : مثابة ومقادة كما يقال : «مقام» والأصل : «مقوم».
قوله تعالى : (مَنْ لَعَنَهُ) في محلّ «من» أربعة أوجه :
أحدها : أنه في محلّ رفع على خبر مبتدأ مضمر ، تقديره : هو من لعنه الله فإنه لما قال : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) ، فكأنّ قائلا قال : من ذلك؟ فقيل : هو من لعنه الله.
ونظيره قوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : ٧٢] أي : هو النار.
وقدّر (٤) مكيّ قبله مضافا محذوفا ، قال : «تقديره : لعن من لعنه الله» ، ثم قال : وقيل : «من» في موضع خفض على البدل من «بشرّ» بدل الشيء من الشّيء ، وهو هو ، وكان ينبغي له أن يقدّر في هذا الوجه مضافا محذوفا ؛ كما قدّره في حالة الرفع ؛ لأنه إن جعل «شرّا» مرادا به معنى ، لزمه التقدير في الموضعين ، وإن جعله مرادا به الأشخاص ، لزمه ألّا يقدّر في الموضعين.
الثاني : أنه في محل جر ، كما تقدّم بيانه عن مكيّ والمعنى : أنبئكم عن من لعنه الله.
الثالث : أنه في محلّ نصب على البدل من محل «بشرّ».
الرابع : أنه في محلّ نصب على أنه منصوب بفعل مقدّر يدل عليه «أنبّئكم» ، تقديره : أعرّفكم من لعنه الله ، ذكره أبو البقاء (٥) ، و «من» يحتمل أن تكون موصولة ، وهو الظاهر ، ونكرة موصوفة ، فعلى الأوّل : لا محلّ للجملة التي بعدها ، وعلى الثاني : لها محلّ بحسب ما يحكم على «من» بأحد الأوجه السابقة ، وقد حمل على لفظها أولا في قوله «لعنه» و «عليه» ، ثم على معناها في قوله : «منهم القردة» ، ثم على لفظها في قوله : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) ثم على لفظها في قوله : «أولئك» ، فجمع في الحمل عليها أربع مرّات.
و «جعل» هنا بمعنى «صيّر» فيكون «منهم» في محل نصب مفعولا ثانيا ، قدّم على
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢١١ ، والبحر المحيط ٣ / ٥٢٩ ، والدر المصون ٢ / ٥٥٧.
(٢) ينظر : الشواذ (٣٩) ، والمحتسب ١ / ٢١٣ ، البحر ٣ / ٥٢٩ ، الدر المصون ٢ / ٥٥٧.
(٣) ينظر : المحتسب ١ / ٢١٣.
(٤) ينظر : المشكل ١ / ٢٣٦.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٠.