كان ضمير أهل الكتاب وهو قول عامة المفسرين فيشكل ويحتاج إلى جواب](١) ووجه الإشكال أنه يصير التقدير : هل أنبئكم يا أهل الكتاب بشرّ من ذلك ، و «ذلك» يراد به المنقوم ، وهو الإيمان ، وقد علم أنه لا شرّ في دين الإسلام ألبتة ، وقد أجاب الناس عنه ، فقال الزمخشري عبارة قرر بها الإشكال المتقدم ، وأجاب عنه بعد أن قال : فإن قلت : المثوبة مختصة بالإحسان ، فكيف وقعت في الإساءة؟ قلت : وضعت موضع عقوبة ، فهو كقوله : [الوافر]
١٩٨٨ ـ ................ |
|
تحيّة بينهم ضرب وجيع (٢) |
ومنه (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١] ، وتلك العبارة التي ذكرتها (٣) [لك] هي أن قال : «فإن قلت : المعاقب من الفريقين هم اليهود ، فلم شورك بينهم في العقوبة؟
قلت : كان اليهود ـ لعنوا ـ يزعمون أن المسلمين ضالّون مستوجبون للعقوبة ، فقيل لهم : من لعنه الله شرّ عقوبة في الحقيقة ، فاليقين لأهل الإسلام في زعمكم ودعواكم».
وفي عبارته بعض علاقة وهي قوله : «فلم شورك بينهم» أي : بين اليهود وبين المؤمنين.
وقوله : «من الفريقين» يعني بهما أهل الكتاب المخاطبين ب «أنبئكم» ، ومن لعنه الله وغضب عليه ، وقوله : «في العقوبة» ، أي : التي وقعت المثوبة موقعها ، ففسرها بالأصل ، وفسّر غيره المثوبة هنا بالرجوع إلى الله ـ تعالى ـ يوم القيامة ، ويترتب على التفسيرين فائدة تظهر قريبا.
قال القرطبي (٤) : المعنى فبشرّ من نقمكم علينا ، وقيل : من شر ما تريدون لنا من المكروه ، وهذا جواب لقولهم : «ما نعرف دينا أشرّ من دينكم».
و «مثوبة» نصب على التمييز ، ومميّزها «شرّ» ، وقد تقدّم في البقرة الكلام على اشتقاقها ووزنها ، فليلتفت إليه. قوله تعالى : (عِنْدَ اللهِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق بنفس «مثوبة» ، إن قلنا : إنها بمعنى الرجوع ؛ لأنك تقول : «رجعت عنده» ، والعندية هنا مجازية.
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف ؛ لأنه صفة ل «مثوبة» ، وهو في محلّ نصب ، إن قلنا : إنها اسم محض ، وليست بمعنى الرجوع ، بل بمعنى عقوبة.
وقرأ الجمهور : «أنبّئكم» بتشديد الباء من «نبّأ» ، وقرأ (٥) إبراهيم النّخعيّ ويحيى بن
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) تقدم.
(٣) في ب : ذكرها.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٥٢.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٢٨.