«عبدا» واحد يراد به الكثرة ، كقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [النحل : ١٨] وليس بجمع «عبد» ؛ لأنه ليس في أبنية الجمع مثله ، قال : «وقد جاء على فعل ؛ لأنه بناء يراد به الكثرة والمبالغة في نحو يقظ وندس ؛ لأنه قد ذهب في عبادة الطاغوت كلّ مذهب ، وبهذا المعنى أجاب الزمخشريّ (١) أيضا ، قال ـ رحمهالله تعالى ـ : معناه الغلّو في العبوديّة ؛ كقولهم : «رجل حذر وفطن» للبليغ في الحذر والفطنة ؛ وأنشد لطرفة : [الكامل]
١٩٨٩ ـ أبني لبينى ، إنّ أمّكم |
|
أمة ، وإنّ أباكم عبد (٢) |
وقد سبقهما إلى هذا التوجيه أبو إسحاق ، وأبو بكر بن الأنباريّ ، قال أبو بكر : «وضمّت الباء للمبالغة ؛ كقولهم للفطن : «فطن» وللحذر : «حذر» ، يضمّون العين للمبالغة ؛ قال أوس بن حجر : [الكامل]
١٩٩٠ ـ أبني لبينى ، إنّ أمّكم |
|
أمة ، وإنّ أباكم عبد (٣) |
بضمّ الباء». ونسب البيت لابن حجر ، وقد تقدّم أنه لطرفة ، وممّن نسبه لطرفة الشيخ شهاب الدين أبو شامة.
وقال أبو إسحاق (٤) : ووجه قراءة حمزة : أنّ الاسم بني على «فعل» ؛ كما تقول : «رجل حذر» ، وتأويله أنه مبالغ في الحذر ، فتأويل «عبد» : أنّه بلغ الغاية في طاعة الشيطان ، وكأنّ هذا اللفظ لفظ واحد يدلّ على الجمع ؛ كما تقول للقوم «عبد العصا» تريد : عبيد العصا ، فأخذ أبو عليّ هذا ، وبسطه. ثم قال «وجاز هذا البناء على عبد ؛ لأنه في الأصل صفة ، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء ، لا يزيله ذلك عن حكم الوصف ، كالأبطح والأبرق استعملا استعمال الأسماء حتّى جمعا جمعها في قولهم : أبارق وأباطح كأجادل ، جمع الأجدل ، ثم لم يزل ذلك عنهما حكم الصفة ؛ يدلّك على ذلك منعهم له الصّرف ؛ كأحمر ، وإذا لم يخرج العبد عن الصفة ، لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على فعل ، نحو : يقظ».
وقال البغوي (٥) : هما لغتان : «عبد» بجزم الباء ، و «عبد» بضمها ، مثل سبع ، وسبع.
وطعن بعض الناس على هذه القراءة ، ونسب قارئها إلى الوهم ؛ كالفراء (٦) ،
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٥٢.
(٢) البيت لأوس بن حجر وليس لطرفة. ينظر : ديوانه ٢١ ، اللسان (عبد) ، البحر المحيط ٣ / ٥٣٠ ، الدر المصون ٢ / ٥٥٨.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٠٦.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٤٩.
(٦) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣١٥.