٢٠٠٢ ـ ومستنّة كاستنان الخرو |
|
ف قد قطع الحبل بالمرود (١) |
أي : ومروده فيه ، وكذلك «به» أيضا حال من فاعل «خرجوا».
فالباء في قوله تعالى : (دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ، يفيد أنّ الكفر معهم حالة الدّخول والخروج من غير نقصان ، ولا تغيير ألبتّة ، كما تقول : «دخل زيد بثوبه وخرج» أي : ثوبه حال الخروج ، كما كان حال الدّخول.
وقوله : «وهم» مبتدأ ، و (قَدْ خَرَجُوا) خبره ، والجملة حال أيضا عطف على الحال قبلها ، وإنما جاءت الأولى فعليّة والثانية اسمية ؛ تنبيها على فرط تهالكهم في الكفر ؛ وذلك أنهم كان ينبغي لهم ، إذا دخلوا على الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يؤمنوا ؛ لما يرون من حسن شيمته وهيبته ، وما يظهر على يديه الشريفة من الخوارق والمعجزات ؛ ولذلك قال بعض الكفرة : «رأيت وجه من ليس بكذّاب» ، فلمّا لم ينجع فيهم ذلك ، أكّد كفرهم الثاني بأن أبرز الجملة اسمية صدرها اسم ، وخبرها فعل ؛ ليكون الإسناد فيها مرتين ، وقال ابن عطية (٢) : «وقوله : «وهم» تخليص من احتمال العبارة أن يدخل قوم بالكفر ، ثم يؤمنوا ، ويخرج قوم ، وهم كفرة ، فكان ينطبق على الجميع ، وهم قد دخلوا بالكفر ، وقد خرجوا به ، فأزال الله الاحتمال بقوله : (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ، أي : هم بأعيانهم» ، وهذا المعنى سبقه إليه الواحديّ ، فبسطه ابن عطيّة ، قال الواحديّ : (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) أكّد الكلام بالضّمير ، تعيينا إياهم بالكفر ، وتمييزا لهم عن غيرهم ، وقال بعضهم : معنى «هم» التأكيد في إضافة الكفر إليهم ، ونفي أن يكون من الرسول ما يوجب كفرهم ؛ من سوء معاملته لهم ، بل كان يلطف بهم ويعاملهم أحسن معاملة ، فالمعنى : أنهم هم الذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم ، لا أنّك أنت الذي تسبّبت لبقائهم في الكفر ، وقال أبو البقاء (٣) : «ويجوز أن يكون التقدير : وقد كانوا خرجوا به» ، ولا معنى لهذا التأويل ، والواو في قوله تعالى : (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا) تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون عاطفة لجملة حال على مثلها.
والثاني : أن تكون هي نفسها واو الحال ؛ وعلى هذا : يكون في الآية الكريمة حجة لمن يجيز تعدّد الحال لذي حال مفرد من غير عطف ، ولا بدل إلا في أفعل التفضيل ، نحو : «جاء زيد ضاحكا كاتبا» ؛ وعلى الأول : لا يجوز ذلك إلا بالعطف أو البدل ، وهذا شبيه بالخلاف في تعدّد الخبر.
قوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكُمْ) يعني : هؤلاء المنافقين وقيل : هم الذين آمنوا بالذي
__________________
(١) البيت لرجل من بني الحرث. ينظر : ابن يعيش ٨ / ٢٣ ، الكامل ٤٧٩ ، اللسان (خرف) ، رصف المباني (١٤٥) ، الدر المصون ٢ / ٥٦٥.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢١٤.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢١.