والثاني : أنها في محلّ رفع ؛ لأنها خبر ثان ل «يداه».
والثالث : أنها في محلّ نصب على الحال من الضمير المستكنّ في «مبسوطتان» ؛ وعلى هذين الوجهين ؛ فلا بدّ من ضمير مقدّر عائد على المبتدأ ، أو على ذي الحال ، أي : ينفق بهما ، وحذف مثل ذلك قليل ، وقال أبو البقاء (١) : «ينفق كيف يشاء» مستأنف ، ولا يجوز أن يكون حالا من الهاء ـ يعني في «يداه» ـ ؛ لشيئين :
أحدهما : أنّ الهاء مضاف إليها.
والثاني : أنّ الخبر يفصل بينهما ، ولا يجوز أن تكون حالا من اليدين ؛ إذ ليس فيها ضمير يعود إليهما. [قال شهاب الدين](٢) : قوله : «أحدهما : أنّ الهاء مضاف إليها» ليس ذلك بمانع ؛ لأن الممنوع إنما هو مجيء الحال من المضاف إليه ، إذا لم يكن المضاف جزءا من المضاف إليه ، أو كجزئه أو عاملا فيه ، وهذا من النوع الأول ، فلا مانع فيه ، وقوله : «والثاني : أن الخبر يفصل بينهما» هذا أيضا ليس بمانع ، ومنه : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] إذا قلنا : إن «شيخا» حال من اسم الإشارة ، والعامل فيه التنبيه. وقوله : «إذ ليس فيها ضمير» قد تقدّم أن العائد يقدّر ، أي : ينفق بهما.
الرابع : أنها حال من «يداه» ، وفيه خلاف ـ أعني مجيء الحال من المبتدأ ـ ووجه المنع : أنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها ، والعامل في صاحبها أمر معنويّ لا لفظيّ ، وهو الابتداء ، وهذا على أحد الأقوال في العامل في الابتداء.
الخامس : أنها حال من الهاء في «يداه» ، ولا اعتبار بما منعه أبو البقاء ؛ لما تقدّم من تصحيح ذلك.
و «كيف» في مثل هذا التركيب شرطية ؛ نحو : «كيف تكون أكون» ومفعول المشيئة محذوف ، وكذلك جواب هذا الشرط أيضا محذوف مدلول عليه بالفعل السابق ل «كيف» ، والمعنى : ينفق كما يشاء أن ينفق ينفق ، ويبسط في السّماء ، كيف يشاء أن يبسطه يبسطه ، فحذف مفعول «يشاء» وهو «أن» وما بعدها ، وقد تقدّم أن مفعول «يشاء» و «يريد» لا يذكران إلا لغرابتهما ، وحذف أيضا جواب «كيف» وهو «ينفق» المتأخر و «يبسط» المتأخر ؛ لدلالة «ينفق ويبسط» الأولين ، وهو نظير قولك : «أقوم إن يقم زيد» ، ولا جائز أن يكون «ينفق» المتقدم عاملا في «كيف» ، لأنّ لها صدر الكلام ، وما له صدر الكلام لا يعمل فيه إلا حرف الجر أو المضاف.
وقال الحوفيّ : «كيف» سؤال عن حال ، وهي نصب ب «يشاء» ، قال أبو حيان(٣): «ولا يعقل هنا كونها سؤالا عن حال» ، وقد تقدم الكلام عليها مشبعا عند قوله : (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران : ٦].
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٨٢٢١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٦٧.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٣٥.