وخامسها : شدّة العناية والاختصاص ، قال : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] ، والمراد : تخصيص آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا التّشريف ، فإنّه تعالى الخالق لجميع المخلوقات ، ويقال : «يدي رهن لك بالوفاء» إذا ضمنت له شيئا.
وإذا عرف هذا فنقول : اليد في حقّ الله تعالى ممتنع أن تكون الجارحة ، وأما سائر المعاني فكلّها حاصلة.
وهاهنا قول آخر : وهو أنّ أبا الحسن الأشعري زعم في بعض أقواله : أنّ اليد صفة قائمة بذات الله تعالى ، وهي صفة سوى القدرة ، ومن شأنها التّكوين على سبيل الاصطفاء.
قال : ويدلّ عليه أنّه تعالى جعل وقوع خلق آدم بيده علة الكرامة لآدم واصطفائه ، فلو كانت اليد [عبارة](١) عن القدرة لامتنع كونه ـ عليه الصلاة والسلام ـ اصطفي ؛ لأنّ ذلك في جميع المخلوقات ، فلا بدّ من إثبات صفة أخرى وراء القدرة يقع بها الخلق والتّكوين على سبيل الاصطفاء ، وأكثر العلماء زعموا : أنّ اليد في حقّ الله تعالى عبارة عن القدرة وهذا مشكل ؛ لأنّ قدرة الله واحدة ، ونصّ القرآن ناطق بإثبات اليدين تارة وبإثبات الأيدي تارة أخرى ، وإن فسّرتموها بالنّعمة ، فنصّ القرآن ناطق بإثبات اليدين ، ونعم الله غير محدودة ، لقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [النحل : ١٨].
والجواب : إن اخترنا تفسير اليد بالقدرة ، كان الجواب عن الإشكال المذكور : أنّ القوم جعلوا قولهم : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) كناية عن البخل ، فأجيبوا على وفق كلامهم ، فقيل : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ، أي : ليس الأمر على ما وصفتموه من البخل ، بل هو جواد على سبيل الكمال ، وأنّ من أعطى بيده فقد أعطى عطاء على أكمل الوجوه.
وأمّا إن اخترنا تفسير اليد بالنّعمة ، كان الجواب عن الإشكال المذكور من وجهين :
الأول : أنّ التّثنية بحسب الجنس يدخل تحت كلّ واحد من الجنسين أنواع لا نهاية لها ، نعمة الدنيا ونعمة الدين ، ونعمة الظاهر ونعمة الباطن ، ونعمة النفع ونعمة الدفع ، ونعمة الشدة ونعمة الرخاء.
الثاني : أنّ المراد بالتّثنية المبالغة في وصف النّعمة ، ألا ترى قولك «لبّيك» ، معناه : مساعدة بعد مساعدة ، وليس المراد [منه طاعتين](٢) ولا مساعدتين ، فكذلك الآية معناها : أنّ النّعمة متظاهرة متتابعة ، ليست كما ادّعى اليهود أنّها مقبوضة ممتنعة.
قوله : «ينفق كيف يشاء» في هذه الجملة خمسة أوجه :
أحدها ـ وهو الظاهر ـ : أن لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنها مستأنفة.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : بطاعتين.