بيان عدد كقوله تعالى : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠] ، وتارة ذكر اليدين كما في هذه الآية ، وفي قوله تعالى لإبليس عليه اللعنة (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] ، وتارة أثبت الأيدي قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) [يس : ٧١] ، وإذا عرف هذا فنقول : اختلفت الأمّة في تفسير يد الله تعالى.
فقالت المجسّمة : إنّها عضو جسمانيّ كما في حقّ كلّ أحد ، واحتجّوا بقوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥] ذكر ذلك قد جاء في إلاهيّة الأصنام ، لأجل أنّه ليس لها شيء من هذه الأعضاء ، فلو لم يحصل لله هذه لزم القدح في كونه إلها ، فلما بطل ذلك ، وجب إثبات هذه الأعضاء له ، قالوا : واسم اليد موضوع لهذا العضو ، فحمله على شيء آخر ترك للّغة (١) ، وإنّه لا يجوز.
والجواب عنه : أنّه تعالى ليس بجسم ؛ لأنّ الجسم لا ينفكّ عن الحركة والسّكون وهما محدثان ، وما لا ينفكّ عن المحدث فهو محدث ، ولأنّ كلّ جسم فهو متناه في المقدار ، وكلّ ما كان متناهيا في المقدار فهو محدث ، ولأنّ كلّ جسم فهو مؤلّف من الأجزاء ، وكلّ ما كان كذلك افتقر إلى ما يؤلّفه ويركّبه ، وكلّ ما كان كذلك فهو محدث ، فثبت بهذه الوجوه أنّه يمتنع كونه تعالى جسما ، فيمتنع أن يكون عضوا جسمانيا.
وأما جمهور الموحّدين فلهم في لفظ اليد قولان :
أحدهما : قول من يقول : إنّ القرآن لمّا دلّ على إثبات اليد لله آمنّا بالله ، والعقل دلّ على أنّه يمتنع أن يكون يد الله عبارة عن جسم مخصوص وعضو مركّب من الأجزاء والأبعاض آمنّا به ، فأمّا أنّ اليد ما هي وما حقيقتها ، فقد فوّضنا معرفتها إلى الله تعالى ، وهذه طريقة السّلف.
[وثانيهما : قول المتكلّمين فقالوا : اليد تذكر في اللّغة على وجوه :
أحدها : الجارحة](٢).
وثانيها : النّعمة : نقول : لفلان يد أشكره عليها.
وثالثها : القوّة : قال تعالى : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) [ص : ٤٥] فسّروه بذي القوّة والعقول.
وحكى سيبويه أنّهم قالوا : «لا يد لك بهذا» والمعنى : سلب كمال القدرة.
رابعها : الملك فقال في هذه الصّفة : في يد فلان ، أي : في ملكه قال تعالى : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٧] أي : يملك ذلك.
__________________
(١) في أ : للغلة.
(٢) سقط في أ.