العباد ، ونظيره قوله تعالى : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥] ، فإن قالوا : علم الله تعالى من حالهم سواء أنزلها أو لم ينزلها ، فإنّهم يأتون بتلك الزّيادة من الكفر ، فلهذا حسن منه تعالى إنزالها.
قلنا : فعلى هذا التّقدير لم يكن ذلك الازدياد لأجل تلك الآيات ، وهذا يقتضي أن تكون إضافة ازدياد الكفر إلى إنزال تلك الآيات باطلا ، وذلك تكذيب لنصّ القرآن.
قوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) الضمير في «بينهم» يجوز أن يعود على اليهود والنّصارى ؛ لتقديم ذكرهم ، ولاندراج الصنفين في قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ)،ويجوز أن يعود على اليهود وحدهم ، لأنّهم فرق مختلفة ، فعلى هذين قال الحسن ومجاهد (١) : يعني بين اليهود والنّصارى ، لأنّ ذكرهم جرى في قوله : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى) ، وقيل : بين فرق اليهود ، فإنّ بعضهم جبريّة ، وبعضهم قدريّة ، وبعضهم [موحّدة](٢) وبعضهم مشبّهة (٣) ، وكذلك بين فرق النّصارى كالملكانيّة والنّسطوريّة واليعقوبيّة.
فإن قيل : فهذا المعنى حاصل بين فرق المسلمين ، فكيف يمكن جعله عيبا في اليهود والنّصارى؟
فالجواب : أنّ هذه البدع إنّما حدثت بعد عصر الصّحابة والتّابعين ، أما في ذلك الزّمان فلم يكن شيء من ذلك ، فلا جرم حسن جعل ذلك عيبا في اليهود والنّصارى.
ووجه اتّصال هذا الكلام بما قبله : أنّه تعالى بيّن أنّهم إنّما ينكرون نبوّته بعد ظهور الدّلائل على صحّتها لأجل الحسد ، ولأجل حبّ الجاه والمال والسّعادة ، فلمّا رجّحوا الدّنيا على الآخرة لا جرم حرمهم سعادة الدّين ، فلذلك حرمهم سعادة الدّنيا ؛ لأنّ كلّ فريق منهم مصرّ على مذهبه ، ومبالغ في نصرته ، ويطعن في كل ما سواه من المذاهب تعظيما لنفسه وترويجا لمذهبه ، فصار ذلك سببا لوقوع الخصومة الشّديدة بين فرقهم ، انتهى الأمر فيه إلى أنّ بعضهم يكفّر بعضا.
وقوله تعالى : (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلّق ب «ألقينا» ، ويجوز أن يتعلّق بقوله : «والبغضاء» ، أي : إنّ التباغض بينهم إلى يوم القيامة ، ولا يجوز أن يتعلّق بالعداوة ؛ لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبيّ ، وهو المعطوف ؛ وعلى هذا : فلا يجوز أن تكون المسألة من التنازع ؛ لأن شرطه تسلّط كلّ من العاملين ، والعامل الأول هنا لو سلّط على المتنازع فيه ، لم يجز للمحذور المذكور ، وقد نقل بعضهم : أنه يجوز التنازع في فعلي التعجّب مع التزام إعمال الثاني ؛ لأنه لا يفصل بين فعل التعجّب ومعموله ، وهذا
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ٣٥ ، والبغوي ٢ / ٥٠.
(٢) في أ : حية.
(٣) في أ : مشيئة.