٢٠٣٣ ـ قبيلة الأم الأحياء أكرمها |
|
وأغدر النّاس بالجيران وافيها (١) |
«أكرمها» هو المبتدأ ، و «الأم الأحياء» خبره ، وكذا «وافيها» مبتدأ و «أغدر النّاس» خبره ، والمعنى على هذا ، والآية من هذا القبيل فيما ذكرنا وقوله : (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) عطف على اليهود ، والكلام على الجملة الثانية كالكلام على ما قبلها.
فصل
تقدير الكلام قسما : إنّك تجد اليهود والمشركين أشدّ عداوة مع المؤمنين ، وقد شرحت لك أنّ هذا التّمرّد والمعصية عادة قديمة ، ففرّغ خاطرك عنهم ، ولا تبال بمكرهم وكيدهم (٢).
وقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى).
قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسّدّيّ ـ رضي الله عنهم ـ المراد به : النّجاشي وقومه الذين قدموا من الحبشة ، وآمنوا به ، ولم يرد جميع النّصارى ؛ لأنّهم في عداوتهم للمسلمين ، كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم ، وتخريب بلادهم ، وهدم
__________________
ـ واعترض ابن هشام على ابن الناظم استشهاده بهذا البيت : قد يقال إن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير ، وأنه جاء على التشبيه المقلوب ، كقول ذي الرمة : رمل كأوراك العذارى قطعنه.
فكان ينبغي أن يستشهد بما أنشده في «شرح التسهيل» من قول حسان بن ثابت :
قبيلة ألأم الأحياء أكرمها |
|
وأغدر الناس بالجيران وافيها |
إذ المراد الإخبار عن أكرمها بأنه ألأم الأحياء ، وعن وافيها بأنه أغدر الناس لا العكس.
ويجاب عنه من وجهين : أحدهما : أن التشبيه المقلوب من الأمور النادرة ، والحمل على ما يندر وقوعه لمجرد الاحتمال مما لا يجوز أن يصار إليه ، وإلا فإن كل كلام يمكن تطرق احتمالات بعيدة إليه ، فلا تكون ثمة طمأنينة على إفادة غرض المتكلم بالعبارة. وثانيهما : أن ما ذكره في بيت حسان من أن الغرض الإخبار عن أكرم هذه القبيلة بأنه ألأم الأحياء ، وعن أوفى هذه القبيلة بأنه أغدر الأحياء ، هذا نفسه يجري في بيت الشاهد ، فيقال : إن غرض المتكلم الإخبار عن أبناء أبنائهم ؛ بأنهم يشبهون أبناءهم وليس الغرض أن يخبر عن بنيهم بأنهم يشبهون بني أبنائهم ، فلما صحّ أن يكون غرض المتكلم معينا للمبتدأ ، صحّ الاستشهاد ببيت الشاهد.
ومنهم من أجاز التقديم مطلقا ، ولم يلتفت إلى إبهام الانعكاس ، وقال : الفائدة تحصل للمخاطب سواء قدم الخبر أم أخر ، وقد أجاز ابن السيد في قوله : «شر النساء البحاتر» ، أن يكون شر النساء مبتدأ و «البحاتر» خبره ، وعكسه ؛ ومنهم من منع التقديم مطلقا ، ولم يفصل بين ما دل عليه المعنى وغيره ، وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه ، وذهب البصريون إلى جواز التقديم ، واستدلوا بقول الشاعر : بنونا بنو أبنائنا. ينظر المصادر السابقة.
(١) البيت لحسان بن ثابت. ينظر : ديوانه (٢١٦) ، الهمع ١ / ١٠٢ ، الدرر ١ / ٧٦ ، الدر المصون ٢ / ٥٩٠.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤) عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي ومجاهد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٣٧) عن مجاهد وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ، وذكره البغوي ٢ / ٥٦.