مساجدهم ، وإحراق مصاحفهم ، ولا كرامة لهم ، بل الآية فيمن أسلم منهم.
وقال آخرون (١) : مذهب اليهود الفاسد ، أنّه يجب إيصال الشّرّ إلى من يخالفهم في الدّين بأيّ طريق كان ، فإن قدروا على القتل فذلك ، وإلّا فنهب المال والسّرقة ، أو بنوع من المكر والكيد والحيلة ، وأمّا النّصارى فليس مذهبهم ذلك ، بل الإيذاء في دينهم حرام فهذا وجه التّفاوت ، ثمّ ذكر ـ سبحانه ـ سبب التّفاوت ، فقال (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً).
فإن قيل : لم أسند تسمية النّصارى إليهم ، بقوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) ؛ ولمّا ذكر اليهود سمّاهم بقوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ) ولم يسند التّسمية إليهم.
فالجواب : لأنّ تسميتهم باليهود إن كانت لكونهم من أولاد يهوذا بن يعقوب فهي تسمية حقيقة أيضا ، وإن كانت من التّحرّك في دراستهم ، فكذلك أيضا ، والنّصارى فهم الذين سمّوا أنفسهم حين قال لهم عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) [الصف : ١٤] ، فلذلك أسند التّسمية إليهم ، وإن كانوا إنّما سمّوا نصارى ؛ لأنّهم كانوا يسكنون قرية يقال لها : «ناصرة» ، فكلّهم لم يكونوا ساكنين فيها ، بل بعضهم أو أكثرهم ، فالحقيقة لم توجد فيهم.
وقد تقدّم الكلام في تسميتهم عند قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) [الآية : ٦٢] في البقرة.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ) مبتدأ وخبر ، وتقدم تقريره ، و «منهم» خبر «أنّ» ، و «قسّيسين» اسمها ، وأن واسمها وخبرها في محلّ جرّ بالباء ، والباء ومجرورها ههنا خبر «ذلك» ، والقسّيسين جمع «قسّيس» على فعّيل ، وهو مثال مبالغة ك «صدّيق» ، وقد تقدّم ، وهو هنا رئيس النصارى وعابدهم ، وأصله من تقسّس الشّيء ، إذا تتّبعه وطلبه باللّيل ، يقال : «تقسست أصواتهم» ، أي : تتبّعتها باللّيل ، ويقال لرئيس النصارى : قسّ وقسّيس ، وللدليل بالليل : قسقاس وقسقس ، قاله الراغب (٢) ، وقال غيره : القسّ بفتح القاف تتبّع الشيء ، ومنه سمّي عالم النصارى ؛ لتتبّعه العلم ، قال رؤبة بن العجّاج : [الرجز]
٢٠٣٤ ـ أصبحن عن قسّ الأذى غوافلا |
|
يمشين هونا خردا بهاللا (٣) |
ويقال : قسّ الأثر وقصّه بالصّاد أيضا ، ويقال : قسّ وقسّ بفتح القاف وكسرها ، وقسّيس ، وزعم ابن عطية أنه أعجميّ معرّب ، وقال الواحديّ : «وقد تكلّمت العرب
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٢ / ٥٦.
(٢) ينظر : المفردات (٤١٨).
(٣) ينظر : ديوانه ٢ / ١٢١ البحر المحيط ٤ / ٤ الدر المصون ٢ / ٥٩٠ ، اللسان (قسس) ، برواية :
يمسين من قسّ الأذى غوافلا |
|
لا جعبريات ولا طهاملا |