وقرأ الجمهور : «كسوتهم» بكسر الكاف. وقرأ (١) إبراهيم النخعيّ وأبو عبد الرحمن السّلميّ وسعيد بن المسيّب بضمّها ، وقد تقدّم في البقرة [الآية ٢٣٣] أنهما لغتان في المصدر ، وفي الشيء المكسوّ ، قال الزمخشريّ (٢) : «كالقدوة في القدوة ، والإسوة في الأسوة» إلا أن الذي قرأ في البقرة بضمّها هو طلحة فلم يذكروه هنا ، ولا ذكروا هؤلاء هناك.
وقرأ (٣) سعيد بن جبير وابن السّميفع : «أو كأسوتهم» بكاف الجر الداخلة على «أسوة» قال الزمخشريّ : «بمعنى : أو مثل ما تطعمون أهليكم ، إسرافا أو تقتيرا ، لا تنقصونهم عن مقدار نفقتهم ، ولكن تواسون بينهم ، فإن قلت : ما محلّ الكاف؟ قلت : الرفع ، تقديره : أو طعامهم كأسوتهم ، بمعنى : كمثل طعامهم ، إن لم يطعموهم الأوسط». انتهى ، وكان قد تقدم أنه يجعل (مِنْ أَوْسَطِ) مرفوع المحلّ خبرا لمبتدأ محذوف ، فتكون الكاف عنده مرفوعة ؛ عطفا على (مِنْ أَوْسَطِ) ، وقال أبو البقاء (٤) قريبا من هذا ؛ فإنه قال : «فالكاف في موضع رفع أي : أو مثل أسوة أهليكم» ، وقال أبو حيان : «إنه في موضع نصب عطفا على محلّ : من أوسط» ؛ لأنه عنده مفعول ثان ، إلّا أنّ هذه القراءة تنفي الكسوة من الكفّارة ، وقد أجمع الناس على أنها إحدى الخصال الثلاث ، لكن لصاحب هذه القراءة أن يقول : «استفيدت الكسوة من السّنّة» ، أمّا لو قام الإجماع على أن مستند الكسوة في الكفّارة من الآية ؛ فإنه يصحّ الردّ على هذا القارىء.
والكسوة في اللّغة معناه اللّباس ، وهو كلّ ما يكتسى به.
فصل
كلّ من لزمته كفّارة يمين فهو مخيّر إن شاء أطعم عشرة مساكين ، وإن شاء كساهم ، وإن شاء أعتق رقبة ، فإن اختار الكسوة ، فاختلفوا في قدرها ، فذهب قوم إلى أنّه يكسو كلّ مسكين ثوبا واحدا ممّا يقع عليه اسم الكسوة ، إزار ، أو رداء ، أو قميص ، أو سراويل ، أو عمامة مقنّعة ، أو كساء أو نحوها ، وهو قول ابن عبّاس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس ـ رضي الله عنهم ـ ، وإليه ذهب الشّافعيّ ـ رضي الله عنه ـ (٥).
وقال مالك ـ رضي الله عنه ـ : يجب لكلّ إنسان ما يجوز فيه صلاته ، فيكسو الرجل ثوبا والمرأة ثوبين درعا وخمارا.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٣٠ ، والبحر المحيط ٤ / ١٣ ، والدر المصون ٢ / ٦٠٢.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٣٠ ، والبحر المحيط ٤ / ١٤ ، والدر المصون ٢ / ٦٠٢.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٥.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٥٤) عن ابن عباس وزاد نسبته لأبي عبيد وابن المنذر. والبغوي ٢ / ٦١.