ولا يجوز له ترك جميعها ، ومتى أتى بأيّ واحد من هذه الثلاثة خرج عن العهدة ، فإذا اجتمعت هذه القيود الثلاثة ، فذلك هو الواجب المخيّر.
وقال بعض الفقهاء : الواجب واحد لا بعينه ، وهذا الكلام يحمل أمرين :
__________________
ـ بواحد من الإطعام ، والكسوة ، والعتق ، ومع ذلك يجوز إخراج الجميع.
وقسم لا يجوز الجمع وتكون أفراده محصورة أيضا ؛ كما إذا مات الإمام الأعظم ، ووجدنا جماعة قد استعدوا للإمامة ، أي : اجتمعت فيهم الشرائط ؛ فإنه يجب على الناس أن ينصبوا منهم واحدا ، ولا يجوز نصب زيادة عليه.
وكون هذا الواجب واحدا مبهما من أمور معينة ، أي : أحدها لا بعينه ، نقله في «المحصول» و «المنتخب» عن الفقهاء فقط ، ولم ينقل عن الأصوليين تصريحا بموافقتهم ولا مخالفتهم ، بل ظاهر كلامه المخالفة ؛ لأنه أبطل ما استدلوا به وكذلك فعل صاحب «الحاصل والتحصيل» ، نعم ، نقله الآمدي عن الفقهاء والأشاعرة وارتضاه ، واختاره أيضا ابن الحاجب.
والواجب المخير بقسميه : هو محل النزاع بين العلماء ، فقد اختلفوا فيه على النحو التالي :
أولا : ذهب الجمهور من الأشاعرة وعامة الفقهاء إلى أنه يجوز الأمر بواحد مبهم ، من أمور معينة على سبيل التخيير ، فيجب على المكلّف الإتيان بأحدها في الجملة ، ولا يجوز له الإخلال به بأن يترك الجميع.
ثانيا : ذهب المعتزلة إلى أن الأمر بأشياء على التخيير يقتضي وجوب الكل ـ وفسره أبو الحسين وهو أحدهم ؛ بأنه على معنى أنه لا يجوز للمكلف ترك جميع الأفراد ، ولا يلزم الجمع بينها ، بل له أن يختار منها ما شاء. وقال الإمام في «البرهان» : إن أبا هاشم اعترف بأن تارك خصال الكفارة لا يأثم إثم من ترك واجبات ، ومن أتى بها جميعا لا يثاب ثواب واجبات ؛ لحصول الامتثال بواحدة.
وبناء على ذلك التفسير والنقل عنهم ، يكون قولهم موافقا لقول الجمهور ، فلا حاجة إلى إبطال دعواهم ؛ لأن الخلاف في اللفظ والتعبير وليس في المعنى.
ثالثا : أن الأمر بواحد من أشياء على التخيير يقتضي أن يكون الواجب واحدا معيّنا عند الله ، وإن كان مبهما عندنا.
وهذا القول يحتمل أحد الأمرين :
الأول : أنه معيّن لا يختلف باختلاف المكلفين ، فإن صادفه المكلف وفعله ، فالأمر ظاهر ، وإن فعل غيره ، سقط هو به.
الثاني : أنه معين يختلف باختلاف المكلفين ، وهو ما يختاره المكلف ويفعله بتوفيقه إلى اختيار ما عينه له ، أو هو ما يعينه الله باختيار العبد.
ولما لم يكن صاحب هذا القول معروفا عبر عنه العلماء بقولهم : وقيل. فهو قول مجهول النسب ، يرجم به الأشاعرة المعتزلة ، ويرجم به المعتزلة الأشاعرة ؛ ولذا سمي قول التراجم ، وهو باطل باتفاق الفريقين المأخوذ من رمي كل منهما الآخر به.
ينظر : المعتمد ١ / ٨٧ ـ ٩٧ ، المستصفى ١ / ٤٣ ، المحصول ١ / ٢ / ٢٦٦ ، الإحكام للآمدي ١ / ١٤٢ ، منتهى الوصول لابن الحاجب ص ٢٤ ، المنهاج بشرحي البدخشي والإسنوي ١ / ٧٣ ، العدة لأبي يعلى ١ / ٣٠٢ ، روضة الناظر ص ١٧ ، المسودة ص ٢٧ ، التبصرة للشيرازي ص ٧٠ ، التمهيد للإسنوي ص ٧٩ ، شرح التنقيح للقرافي ص ١٥٢ ، الإبهاج ١ / ٨٤ ، ١١٤ ، تيسير التحرير ٢ / ٢١٢ ، وفواتح الرحموت ١ / ٦٨.