ميتا (١) ، ويجوز أن تعود الهاء على هذا الوجه أيضا على الصيد بمعنى المصيد ، ويجوز أن يكون «طعام» بمعنى مطعوم ، ويدلّ على ذلك قراءة (٢) ابن عبّاس وعبد الله بن الحارث : «وطعمه» بضم الميم وسكون العين.
قوله تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ) في نصبه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على المصدر ، وإليه ذهب مكي (٣) وابن عطيّة (٤) وأبو البقاء (٥) وغيرهم ، والتقدير : متّعكم به متاعا تنتفعون وتأتدمون به ، وقال مكيّ : لأنّ قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ) بمعنى أمتعتكم به إمتاعا ؛ كقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤].
والثاني : أنه مفعول من أجله ، قال الزمخشريّ (٦) : «أي : أحلّ لكم تمتيعا لكم ، وهو في المفعول له بمنزلة قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) [الأنبياء : ٧٢] في باب الحال ؛ لأنّ قوله (مَتاعاً لَكُمْ) مفعول له مختصّ بالطعام ؛ كما أنّ «نافلة» حال مختصّ بيعقوب ، يعني أحلّ لكم طعامه تمتيعا لتنائكم تأكلونه طريّا ولسيّارتكم يتزوّدونه قديدا». انتهى ، فقد خصّص الزمخشريّ كونه مفعولا له بكون الفعل ، وهو «أحلّ» مسندا لقوله : «طعامه» ، وليس علّة لحلّ الصيد ، وإنما هو علّة لحلّ الطعام فقط ، وإنما حمله على ذلك مذهبه ـ وهو مذهب أبي حنيفة ـ ؛ من أنّ صيد البحر منقسم إلى ما يؤكل ، وإلى ما لا يؤكل ، وأن طعامه هو المأكول منه ، وأنه لا يقع التمثيل إلا بالمأكول منه طريّا وقديدا ، وقوله «نافلة» ، يعني أنّ هذه الحال مختصة بيعقوب ؛ لأنه ولد ولد ؛ بخلاف إسحاق ، فإنه ولده لصلبه ، والنافلة إنما تطلق على ولد الولد ، دون الولد ، فكذا «متاعا» ، إلّا أنّ هذا يؤدّي إلى أنّ الفعل الواحد يسند لفاعلين متعاطفين [يكون] في إسناده إلى أحدهما معلّلا وإلى الآخر ليس كذلك ، فإذا قلت : «قام زيد وعمرو إجلالا لك» ، فيجوز أن يكون «قيام زيد» هو المختصّ بالإجلال ، أو بالعكس ، وهذا فيه إلباس ، وأمّا ما أورده من الحال في الآية الكريمة ، فثمّ قرينة أوجبت صرف الحال إلى أحدهما ، دون ما نحن فيه من الآية الكريمة ، وأمّا غير مذهبه ؛ فإنه يكون مفعولا له غير مختص بأحد المتعاطفين وهو ظاهر جليّ ، و «لكم» إن قلنا : «متاعا» مصدر ، فيجوز أن يكون صفة له ، ويكون مصدرا مبيّنا لكونه وصف ، وإن قلنا : إنه مفعول له ، فيتعلّق بفعل محذوف ، أي : أعني لكم ؛ نحو : «قمت إجلالا لك» ، ويجوز أن تكون اللام مقوية لتعدية المصدر ؛ إذ التقدير : لأن أمتّعكم ، ولأن أجلّك ، وهكذا ما جاء من نظائره.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٥ / ٦٦ ـ ٦٧) عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٨٦) عن أبي هريرة وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ والبيهقي في سننه.
(٢) ينظر : الشواذ ٤١ ، البحر ٤ / ٢٦.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٤٦.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٤١.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٧.
(٦) ينظر : الكشاف ١ / ٦٨٠.