وقال الشّافعيّ : لحم الصّيد حلال للمحرم بشرط ألّا يصطاده المحرم ، ولا يصطاد له ، كقوله ـ عليهالسلام ـ : «صيد البرّ لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم» (١).
وقال أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ : إذا صيد للمحرم بغير إعانته وإشارته حلّ له ؛ لأنّ أبا قتادة اصطاد حمارا وحشيّا ، وهو حلال في أصحاب محرمين ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : فيكم أحد أمر أن يحمل عليها أو أشار إليها ، قالوا : لا. قال : فكلوا ما بقي من لحمها.
وفي رواية : «هل بقي معكم منه شيء؟» قالوا : نعم ، فناولته العضد فأكلها ، وهذا يدلّ على تخصيص القرآن بخبر الواحد.
قوله : (ما دُمْتُمْ حُرُماً) «ما» مصدرية ، و «دمتم» صلتها وهي مصدرية ظرفية أي: حرّم عليكم صيد البر مدة دوامكم محرمين. والجمهور على ضمّ دال «دمتم» من لغة من قال : دام يدوم. وقرأ يحيى (٢) : «دمتم» بكسرها من لغة من يقول : دام يدام كخاف يخاف ، وهما كاللغتين في مات يموت ويمات ، وقد تقدّم [الآية ٥٧ آل عمران]. والجمهور على «وحرّم» مبنيا للمفعول ، «صيد» رفعا على قيامه مقام الفاعل ، وقرىء (٣) : «وحرّم» مبنيا للفاعل ، «صيد» نصبا على المفعول به. والجمهور أيضا على «حرما» بضم الحاء والراء جمع «حرام» بمعنى محرم ك «قذال» و «قذل». وقرأ ابن عباس (٤) «حرما» بفتحهما ، أي : ذوي حرم أي إحرام ، وقيل : جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه ، والأحسن أن يكون من باب «رجل عدل» جعلهم نفس المصدر فإنّ «حرما» بمعنى إحرام ، وتقدم أن المصدر يقع للواحد فما فوق بلفظ واحد. والبرّ معروف ، قال الليث : «ويستعمل نكرة يقال : جلست برّا ، وخرجت برّا». قال الأزهري (٥) : «وهو من كلام المولدين» وفيه نظر لقول سلمان الفارسي : «إنّ لكلّ امرىء جوّانيّا وبرّانيا» أي باطن وظاهر ، وهو من تغيير النسب ، وقد تقدم استيفاء هذه المادة في البقرة [الآية ٤٤] ثمّ قال : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) والمقصود منه التّهديد ، ليكون المرء مواظبا على الطّاعة محترزا عن المعصية وقدّم «إليه» على «تحشرون» للاختصاص أي : تحشرون إليه لا إلى غيره ، أو لتناسب رؤوس الآي.
قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٧ ، والدر المصون ٢ / ٦١٣.
(٣) قرأ بها ابن عباس كما في البحر المحيط ٤ / ٢٧ ، والدر المصون ٢ / ٦١٣.
(٤) ينظر : السابق.
(٥) ينظر : تهذيب اللغة ١٥ / ١٨٤.