وقوله : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ذكر تعالى تحريم الصّيد على المحرم في ثلاثة مواضع من هذه السّورة ، وهي قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ١] إلى قوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] ، وقوله : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ٩٥] ، وقوله : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ، واتّفق المسلمون على تحريم الصّيد على المحرم ، وهو الحيوان الوحشيّ الذي يحلّ أكله ، فأمّا ما لا يحلّ أكله ، فلا يحرم بالإحرام ، ويحرم أخذه وقتله ، ولا جزاء على من قتله ، لقوله ـ عليه الصّلاة والسلام ـ : «خمس من الدّوابّ ليس على المحرم في قتلهنّ جناح : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور» (١).
وقال ـ عليهالسلام ـ : «يقتل المحرم السّبع العادي» (٢).
وقال سفيان بن عيينة (٣) : الكلب العقور : كلّ سبع يعقر ومثله عن مالك ، وذهب أصحاب الرّأي إلى وجوب الجزاء في قتل ما لا يؤكل لحمه ، كالفهد ، والنمر ، والخنزير ، ونحوها إلّا الأعيان المذكورة في الخبر ، وقاسوا (٤) عليها : الذّئب ، ولم يوجبوا فيه الكفّارة.
فأمّا المتولّد من المأكول وغيره ، فيحرم أكله ، ويجبّ فيه الجزاء ؛ لأنّ فيه جزاء من الصّيد ، واختلفوا في الصّيد الذي يصيده الحلال هل يحرّم على المحرم؟
فقال عليّ ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، وطاوس : إنّه حرام على المحرم بكلّ حال ، وهو قول الثّوري وإسحاق ، لظاهر الآية.
وروي : أنّ الحارث كان خليفة عثمان على الطّائف ، فصنع لعثمان طعاما وصنع فيه الحجل (٥) ، واليعاقيب (٦) ، ولحوم الوحوش ، فبعث إلى عليّ بن أبي طالب ، فجاءه الرّسول فقال عليّ : أطعمونا قوتا حلالا [فإنا حرم](٧) ، ثم قال علي : أنشد الله من كان هاهنا من أشجع ، أتعلمون أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهدى إليه رجل حمارا وحشيّا ، وهو محرم فأبى أن يأكله ، فقالوا : نعم(٨).
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : البغوي ٢ / ٦٧.
(٤) في أ : وقالوا.
(٥) طائر في حجم الحمام أحمر المنقار والرجلين طيب اللحم ينظر : المعجم الوسيط ١ / ١٥٨.
(٦) اليعقوب ذكر الحجل. قال الجواليقيّ : وهو عربيّ صحيح ، وأمّا «يعقوب» اسم نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم فهو أعجميّ ؛ كيوسف ، ويونس ، واليسع. وقال الجوهريّ : يعقوب ، اسم رجل لا ينصرف في المعرفة للعجمة ، والتعريف ، واليعقوب ذكر الحجل مصروف ؛ لأنه عربيّ لم يغيّر ، وإن كان مزيدا في أوّله فليس على وزن الفعل. ويوصف «اليعقوب» بكثرة العدو وشدّته.
والمراد باليعاقيب : ذكور القبج ، وقال بعضهم : إنه هنا العقاب والمشهور الأوّل ، واليعقوب والقبج والحجل راجع إلى نوع واحد.
ينظر : حياة الحيوان ٢ / ٤٨١. ٤٨٢.
(٧) سقط في أ.
(٨) تقدم