جَهْرَةً) [النساء : ١٥٣] (اجْعَلْ لَنا إِلهاً) [الأعراف : ١٣٨] وسؤال ثمود الناقة ، ونحوه». وقال الواحدي ـ ناقلا عن الجرجاني ـ : وهذا السؤال في هذه الآيات يخالف معنى السؤال في قوله : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ«وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها) ؛ ألا ترى أن السؤال في الآية الأولى قد عدي بالجار ، وهاهنا لم يعد بالجار ؛ لأن السؤال هاهنا طلب لعين الشيء ؛ نحو : «سألتك درهما» أي طلبته منك ، والسؤال في الآية الأولى سؤال عن حال الشيء وكيفيته ، وإنما عطف بقوله (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ) على ما قبلها وليست بمثلها في التأويل ؛ لأنه إنما نهاهم عن تكليف ما لم يكلفوا ، وهو مرفوع عنهم فهما يشتركان في وصف واحد ، وهو أنه خوض في الفضول ، وفيما لا حاجة إليه.
وقيل : يجوز أن يعود على «أشياء» لفظا لا معنى ؛ كما قال النحويون في مسألة : «عندي درهم ونصفه» ، أي : ونصف درهم آخر ، ومنه : [الطويل]
٢٠٥٦ ـ وكل أناس قاربوا قيد فحلهم |
|
ونحن خلعنا قيده فهو سارب (١) |
فصل
وقرأ النخعي (٢) : «سالها» بالإمالة من غير همز وهما لغتان ، ومنه يتساولان فإمالته ل «سأل» كإمالة حمزة «خاف» ، وقد تقدم تحقيق ذلك في البقرة عند قوله (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦١] و (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٢١١].
قال المفسرون (٣) : يعني قوم صالح ، سألوا الناقة ثم عقروها ، وقوم موسى ، قالوا : أرنا الله جهرة ، فصار ذلك وبالا عليهم ، وبنو إسرائيل قالوا لنبي لهم : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٦] وقالوا : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) [البقرة : ٢٤٧] فسألوا ثم كفروا ، فكأنه تعالى يقول : أولئك سألوا ، فلما أعطوا سؤلهم ساءهم ذلك ، فلا تسئلوا شيئا فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم ، ساءكم ذلك.
قوله : (مِنْ قَبْلِكُمْ) متعلق بقوله : «سألها» ، فإن قيل : هل يجوز أن يكون صفة ل «قوم»؟ فالجواب : منع من ذلك جماعة معتلين بأن ظرف الزمان لا يقع خبرا ، ولا صفة ،
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٤٦ ، قال ابن عطية : وذلك على لغة من قال : سلت تسال ، وحكي عن العرب : «هما يتساولان» ، فهذا يعطي هذه اللغة هي من الوا ولا من الهمزة ، فالإمالة إنما أريدت ، وسائغ ذلك لا نكسار ما قبل اللام في سئلت كما جاءت الإمالة في خاف لمجيء الكسرة في «خاء» خفت.
وينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٧ ، والدر المصون ٢ / ٦٢٠.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٨٩.