حضور الموت ، و «حين» على ما تقدّم فيه من الأوجه الثلاثة آنفا ، ولا يجوز فيه ، والحالة هذه : أن يكون ظرفا للشهادة ؛ لئلا يلزم الإخبار عن الموصول قبل تمام صلته ، وهو لا يجوز ؛ لما مرّ ، ولمّا ذكر أبو حيّان هذا الوجه ، لم يستدرك هذا ، وهو عجيب منه.
الرابع : أنّ «شهادة» مبتدأ ، وخبرها (حِينَ الْوَصِيَّةِ) ، و «إذا» على هذا منصوب بالشّهادة ، ولا يجوز أن ينتصب ب «الوصيّة» ، وإن كان المعنى عليه ؛ لأنّ المصدر المؤوّل لا يسبقه معموله عند البصريّين ، ولو كان ظرفا ، وأيضا : فإنه يلزم منه تقديم المضاف إليه على المضاف ؛ لأن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، والعامل لا يتقدّم ، فكذا معموله ، ولم يجوّزوا تقديم معمول المضاف إليه على المضاف إلا في مسألة واحدة ، وهي : إذا كان المضاف لفظة «غير» ؛ وأنشدوا : [البسيط]
٢٠٦١ ـ إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته |
|
على التّنائي لعندي غير مكفور (١) |
ف «عندي» منصوب ب «مكفور» ؛ قالوا : لأنّ «غير» بمنزلة «لا» ، و «لا» يجوز تقديم معمول ما بعدها عليها ، وقد ذكر الزمخشريّ ذلك آخر الفاتحة ، وذكر أنه يجوز «أنا زيدا غير ضارب» دون «أنا زيدا مثل ضارب» ، و «اثنان» على هذين الوجهين الأخيرين يرتفعان على أحد وجهين : إمّا الفاعلية أي : «يشهد اثنان» يدل عليه لفظ «شهادة» ، وإمّا على خبر مبتدأ محذوف مدلول عليه ب «شهادة» أيضا أي : الشاهدان اثنان.
الخامس : أنّ «شهادة» مبتدأ ، و «اثنان» فاعل سدّ مسدّ الخبر ، ذكره أبو البقاء (٢) وغيره ، وهو مذهب الفرّاء (٣) ، إلا أنّ الفرّاء قدّر الشّهادة واقعة موقع فعل الأمر ؛ كأنه قال : ليشهد اثنان» ، فجعله من باب نيابة المصدر عن فعل الطّلب ، وهو مثل (الْحَمْدُ لِلَّهِ) و (قالَ سَلامٌ) [هود : ٦٩] ؛ من حيث المعنى ، وهذا مذهب لبعضهم في نحو : «ضربي زيدا قائما» يدّعي أن الياء فاعل سدّت مسدّ الخبر ، وهذا مذهب ضعيف ردّه النّحويّون ، ويخصّون ذلك بالوصف المعتمد على نفي أو استفهام ؛ نحو : «أقائم أبواك» وعلى هذا المذهب ف «إذا» و «حين» ظرفان منصوبان على ما تقرّر فيهما في غير هذا الوجه ؛ وقد تحصّلنا فيما تقدّم أنّ رفع «شهادة» من وجه واحد ؛ وهو الابتداء ، وفي خبرها خمسة أوجه تقدّم ذكرها مفصّلة ، وأنّ رفع «اثنان» من خمسة أوجه :
الأول : كونه خبرا ل «شهادة» بالتّأويل المذكور.
الثاني : أنه فاعل ب «شهادة».
الثالث : أنه فاعل ب «يشهد» مقدّرا.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٩.
(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٢٣.