الرابع : أنه خبر مبتدأ ، أي : الشّاهدان اثنان.
الخامس : أنه فاعل سدّ مسدّ الخبر ، وأنّ في «إذا» وجهين : إمّا النّصب على الظرفيّة ، وإمّا الرفع على الخبريّة ل «شهادة» ، وكل هذا بيّن مما لخّصته قبل ، وقراءة الحسن برفعها منونة تتوجه بما تقدّم في قراءة الجمهور من غير فرق.
وأمّا قراءة النصب ، ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها ـ وإليه ذهب ابن جنّي (١) ـ : أنها منصوبة بفعل مضمر ، و «اثنان» مرفوع بذلك الفعل ، والتقدير : ليقم شهادة بينكم اثنان ، وتبعه الزمخشريّ (٢). وقد ردّ أبو حيان (٣) هذا ؛ بأن حذف الفعل وإبقاء فاعله ، لم يجزه النحويون ، إلا أن يشعر به ما قبله ؛ كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] في قراءة ابن عامر وأبي بكر ، أي : يسبّحه رجال ؛ ومثله : [الطويل]
٢٠٦٢ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (٤) |
وفيه خلاف : هل ينقاس أو لا؟ أو يجاب به نفي ؛ كقوله : [الطويل]
٢٠٦٣ ـ تجلّدت حتّى قيل : لم يعر قلبه |
|
من الوجد شيء قلت : بل أعظم الوجد (٥) |
أي : بل عراه أعظم الوجد ، أو يجاب به استفهام ؛ كقوله : [الطويل]
٢٠٦٤ ـ ألا هل أتى أمّ الحويرث مرسلي |
|
نعم خالد إن لم تعقه العوائق (٦) |
أي : بل أتاها أو يأتيها ، وما نحن فيه ليس من الأشياء الثلاثة.
الثاني : أن «شهادة» بدل من اللفظ بفعل ، أي : إنها مصدر ناب مناب الفعل ، فيعمل عمله ، والتقدير : ليشهد اثنان ، ف «اثنان» فاعل بالمصدر ، لنيابته مناب الفعل ، أو بذلك الفعل المحذوف ، على حسب الخلاف في أصل المسألة ، وإنما قدّرته «ليشهد اثنان» ، فأتيت به فعلا مضارعا مقرونا بلام الأمر ، ولم أقدّره فعل أمر بصيغة «افعل» ؛ كما يقدّره النحويّون في نحو : «ضربا زيدا» ، أي : «اضرب» لأنّ هذا قد رفع ظاهرا وهو «اثنان» ، وصيغة «افعل» لا ترفع إلا ضميرا مستترا إن كان المأمور واحدا ؛ ومثله قوله : [الطويل]
٢٠٦٥ ـ ................ |
|
فندلا زريق المال ندل الثّعالب (٧) |
__________________
(١) ينظر : المحتسب ١ / ٢٢٠.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٨٧.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : أوضح المسالك ٢ / ٩٢ ، تخليص الشواهد ص (٤٧٨) ، شرح الأشموني ١ / ١٧٢ ، شرح التصريح ١ / ٢٧٣ ، المقاصد النحوية ٢ / ٤٥٣ ، الدر المصون ٢ / ٦٢٧.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٤٠ ، الدر المصون ٢ / ٦٢٧.
(٧) تقدم.