ف «زريق» يجوز أن يكون منادى ، أي : يا زريق ، والثاني : أنه مرفوع ب «ندلا» على أنه واقع «ليندل» ، وإنما حذف تنوينه ؛ لالتقاء الساكنين ؛ على حدّ قوله : [الطويل]
٢٠٦٦ ـ ............... |
|
ولا ذاكر الله إلّا قليلا (١) |
الثالث : أنّ «شهادة» بدل من اللفظ بفعل أيضا ، إلا أنّ هذا الفعل خبريّ ، وإن كان أقلّ من الطلبيّ ، نحو : «حمدا وشكرا لا كفرا» ، و «اثنان» أيضا فاعل به ، تقديره : يشهد شهادة اثنان ، وهذا أحسن التخاريج المذكورة في قول امرىء القيس : [الطويل]
٢٠٦٧ ـ وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم |
|
................. (٢) |
«وقوفا» مصدر بدل من فعل خبريّ رفع «صحبي» ونصب «مطيّهم» تقديره : وقف صحبي ، وقد تقدّم أنّ الفرّاء في قراءة الرفع قدّر أن «شهادة» واقعة موقع فعل ، وارتفع «اثنان» بها ، وقد تقدم أنّ ذلك يجوز أن يكون ممّا سدّ فيه الفاعل مسدّ الخبر ، و «بينكم» في قراءة من نوّن «شهادة» نصب على الظرف ، وهي واضحة.
وأمّا قراءة الجرّ فيها ، فمن باب الاتّساع في الظّروف ، أي : بجعل الظرف كأنه مفعول لذلك الفعل ، ومثله : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] وكقوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] فيمن رفع ، قال أبو حيان (٣) : «وقال الماتريديّ ـ وتبعه الرازيّ ـ : إنّ الأصل «ما بينكم» فحذف «ما» ، قال الرازيّ : و «بينكم» كناية عن التنازع ؛ لأنه إنما يحتاج إلى الشهود عند التنازع ، وحذف «ما» جائز عند ظهوره ؛ ونظيره كقوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) في قراءة من نصب» قال أبو حيان (٤) : «وحذف «ما» الموصولة غير جائز عند البصريّين ، ومع الإضافة لا يصحّ تقدير «ما» ألبتة ، وليس قوله «هذا فراق بيني» نظير (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) لأن هذا مضاف ، وذلك باق على ظرفيته فيتخيّل فيه حذف «ما» ؛ بخلاف «هذا فراق بيني» و (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) ؛ فإنه لا يتخيّل فيه تقدير «ما» ؛ لأنّ الإضافة أخرجته عن الظرفيّة وصيّرته مفعولا به على السّعة» ، قال شهاب الدين (٥) : هذا الذي نقله الشيخ عنهما قاله أبو عليّ الجرجانيّ بعينه ، قال ـ رحمهالله تعالى ـ : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) ، أي : ما بينكم ، و «ما بينكم» كناية عن التنازع والتشاجر ، ثم أضاف الشهادة إلى التنازع ؛ لأن الشهود إنّما يحتاج إليهم في التنازع الواقع فيما بين القوم ، والعرب تضيف الشيء إلى الشيء ، إذا كان منه بسبب ؛ كقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) [الرحمن :
__________________
(١) تقدم.
(٢) صدر بيت وعجزه :
يقولون لا تهلك أسى وتجمل
ينظر : ديوانه (٣١) ، شرح القصائد العشر (٥٥) ، الدر المصون ٢ / ٦٢٧ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٤.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٤.
(٥) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٢٨.