إذا كان الخاصّ متأخّرا في النزول ، والمائدة متأخرّة ، فكان تقديم هذه الآية الخاصّة واجب بالاتّفاق.
وقوله : «تحبسونهما» أي : تستوقفونهما من بعد صلاة أهل دينهما.
وقال عامّة المفسّرين (١) : من بعد صلاة العصر ، قاله الشّعبي ، والنّخعي ، وسعيد بن جبير ، وقتادة وغيرهم (٢) ؛ لأنّ جميع أهل الأديان يعظّمون ذلك الوقت ، ويجتنبون فيه الحلف الكاذب.
وقال الحسن : من بعد صلاة الظّهر (٣).
واحتجّ الجمهور بما تقدّم ، وبأنّه روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية ، صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاة العصر ، ودعا ب «عديّ» و «تميم» فأستحلفهما عند المنبر.
وقال بعضهم : بعد أداء أيّ صلاة كانت ؛ لأنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
قال بعض العلماء (٤) : الأيمان تغلّظ في الدّماء ، والطّلاق ، والعتاق ، والمال إذا بلغ مائتي درهم بالزّمان والمكان ، فيحلف بعد صلاة العصر بمكّة بين الرّكن والمقام ، وفي المدينة عند المنبر ، وفي بيت المقدس عند الصّخرة ، وفي سائر البلدان في أشرف المساجد.
وقال أبو حنيفة : لا يختصّ الحلف بزمان ولا مكان.
قوله : «فيقسمان» في هذه الفاء وجهان :
أظهرهما : أنها عاطفة هذه الجملة على جملة قوله : «تحبسونهما» ، فتكون في محلّ رفع ، أو لا محلّ لها حسبما تقدّم من الخلاف.
والثاني : أنها فاء الجزاء ، أي : جواب شرط مقدّر ، وقال الفارسيّ : «وإن شئت ، لم تجعل الفاء ؛ لعطف جملة ، بل تجعله جزاء ؛ كقول ذي الرّمّة : [الطويل]
٢٠٦٩ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة |
|
فيبدو ، وتارات يجمّ فيغرق (٥) |
تقديره عندهم : إذا حسر بدا ، وكذا في الآية : إذا حبستموهما أقسما». [وقال
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٢٢٨.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ١١٠ ، ١١١) عن الشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٢ / ٩٧) عن الحسن.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٥٨.
(٥) ينظر : ديوانه ص (٤٦٠) ، خزانة الأدب ٢ / ١٩٢ ، الدرر ٢ / ١٧ ، المقاصد النحوية ١ / ٥٧٨ ، ولكثير في المحتسب ١ / ١٥٠ ، والأشباه والنظائر ٣ / ١٠٣ ، ٧ / ٢٥٧ ، أوضح المسالك ٣ / ٣٦٢ ، تذكرة النحاة ص (٦٦٨) ، شرح الأشموني ١ / ٩٢ ، مجالس ثعلب ص (٦١٢) ، مغني اللبيب ٢ / ٥٠١ ، المقرب ١ / ٨٣ ، همع الهوامع ١ / ٩٨ ، الدر المصون ٢ / ٦٣٠ ، المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٣ ، البحر المحيط ٤ / ٤٧.