مكيّ (١) نحوه ؛ فإنه قال : «ويجوز أن تكون الفاء جواب جزاء ؛ لأن «تحبسونهما» معناه الأمر بذلك ، وهو جواب الأمر الذي دلّ عليه الكلام ؛ كأنه قيل : إذا حبستموهما أقسما»] قال شهاب الدين (٢) : ولا حاجة داعية إلى شيء من تقدير شرط محذوف ، وأيضا : فإنه يحوج إلى حذف مبتدأ قبل قوله «فيقسمان» ، أي : فهما يقسمان ، وأيضا ف «إن تحبسوهما» تقدّم أنها صفة ، فكيف يجعلها بمعنى الأمر ، والطّلب لا يقع وصفا؟ وأمّا البيت الذي أنشده أبو عليّ ، فخرّجه النحويّون على أنّ «يحسر الماء تارة» جملة خبرية ، وهي وإن لم يكن فيها رابط ، فقد عطف عليها جملة فيها رابط بالفاء السّببية ، وفاء السببية جعلت الجملتين شيئا واحدا.
و «بالله» متعلّق بفعل القسم ، وقد تقدّم أنه لا يجوز إظهار فعل القسم إلا معها ؛ لأنها أمّ الباب ، وقوله : (لا نَشْتَرِي بِهِ) جواب القسم المضمر في «يقسمان» ، فتلقّي بما يتلقّى به ، وقوله : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) شرط ، وجوابه محذوف ، تقديره : إن ارتبتم فيهما ، فحلّفوهما ، وهذا الشرط وجوابه المقدّر معترض بين القسم وجوابه.
والمعنى : إن ارتبتم في شأنهما فحلّفوهما ، وهذا الشّرط حجّة من يقول : الآية نازلة في إشهاد الكفّار ؛ لأنّ تحليف الشّاهد المسلم غير مشروع.
ومن قال : الآية نازلة في المسلم قال : إنها منسوخة.
وعن عليّ ـ رضي الله عنه ـ (٣) : أنّه كان يحلّف الشّاهد والرّاوي عند التّهمة. وليس هذه الآية ممّا اجتمع فيه شرط وقسم ، فأجيب سابقهما ، وحذف جواب الآخر ؛ لدلالة جوابه عليه ؛ لأنّ تلك المسألة شرطها أن يكون جواب القسم صالحا لأن يكون جواب الشرط ؛ حتّى يسدّ مسدّ جوابه ؛ نحو : «والله إن تقم لأكرمنّك» ، لأنك لو قدّرت «إن تقم أكرمتك» ، صحّ ، وهنا لا يقدّر جواب الشرط ما هو جواب للقسم ، بل يقدّر جوابه قسما برأسه ؛ ألا ترى أنّ تقديره هنا : «إن ارتبتم ، حلفوهما» ولو قدّرته : إن ارتبتم ، فلا نشتري ، لم يصحّ ، فقد اتفق هنا أنه اجتمع شرط وقسم ، وقد أجيب سابقهما ، وحذف جواب الآخر ، وليس من تيك القاعدة ، وقال الجرجانيّ : «إنّ ثمّ قولا محذوفا ، تقديره : يقسمان بالله ويقولان هذا القول في أيمانهما ، والعرب تضمر القول كثيرا ؛ كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] أي : يقولون سلام عليكم» ، قال شهاب الدين : ولا أدري ما حمله على إضمار هذا القول؟.
قوله : «به» في هذه الهاء ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها تعود على الله تعالى.
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٥١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٣٠.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٩٨.