الثاني : أنها تعود على القسم.
الثالث ـ وهو قول أبي عليّ ـ : أنها تعود على تحريف الشهادة ، وهذا قوي من حيث المعنى ، وقال أبو البقاء (١) : «تعود على الله ، أو القسم ، أو الحلف ، أو اليمين ، أو تحريف الشهادة ، أو على الشهادة ؛ لأنها قول» ، قال شهاب الدين (٢) : قول ه «أو الحلف أو اليمين» لا فائدة فيه ؛ إذ هما شيء واحد ، وكذلك قول من قال : إنها تعود على الله تعالى ، لا بد أن يقدّر مضافا محذوفا ، أي : لا نشتري بيمين الله أو قسمه ونحوه ؛ لأنّ الذات المقدّسة لا يقال فيها ذلك ، وقال مكي (٣) : «وقيل : الهاء تعود على الشّهادة ، لكن ذكّرت ؛ لأنها قول كما قال تعالى : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) [النساء : ٨] فردّ الهاء على المقسوم ؛ لدلالة القسمة على ذلك» ، والاشتراء هنا ، هل هو باق على حقيقته ، أو يراد به البيع؟ قولان ، أظهرهما الأول ، وبيان ذلك مبنيّ على نصب «ثمنا» ، وهو منصوب على المفعوليّة ، قال الفارسيّ : «وتقديره : لا نشتري به ذا ثمن ؛ ألا ترى أنّ الثمن لا يشترى ، وإنما يشترى ذو الثمن» ، قال : «وليس الاشتراء هنا بمعنى البيع ، وإن جاء لغة ، لأنّ البيع إبعاد عن البائع ، وليس المعنى عليه ، إنما معناه التمسّك به والإيثار له على الحقّ» ، وقد نقل أبو حيان (٤) هذا الكلام بعينه ولم يعزه لأبي عليّ.
وقال مكيّ (٥) : «معناه ذا ثمن ، لأنّ الثمن لا يشترى ، إنما يشترى ذو الثمن ، وهو كقوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً) [التوبة : ٩] ، أي ذا ثمن» ، وقال غيره : «إنه لا يحتاج إلى حذف مضاف» ، قال أبو البقاء (٦) : «ولا حذف فيه ؛ لأنّ الثمن يشترى كما يشترى به ، وقيل : التقدير : ذا ثمن» ، وقال بعضهم : «لا نشتري : لا نبيع بعهد الله بغرض نأخذه ؛ كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) [آل عمران : ٧٧] ، فمعنى الآية : لا نأخذ بعهد الله ثمنا ؛ بأن نبيعه بعرض من الدنيا» قال الواحديّ : «ويستغنى بهذا عن كثير من تكلّف أبي عليّ ، وهذا معنى قول القتيبيّ والجرجانيّ».
قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) الواو هنا كالتي سبقت في قوله : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٧٠] من أنها يحتمل أن يقال عاطفة ، أو حالية ، وأنّ جملة الامتناع حال معطوفة على حال مقدّرة ؛ كقوله : «أعطوا السّائل ، ولو على فرس» ، فكذا هنا تقديره : لا نشتري به ثمنا في كلّ حال ، ولو كان الحال كذا ، واسم «كان» مضمر فيها يعود على المشهود له ، أي : ولو كان المشهود له ذا قرابة.
قوله : (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) الجمهور على رفع ميم «نكتم» على أنّ «لا» نافية ، والجملة تحتمل وجهين :
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٣١.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٥١.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٨.
(٥) ينظر : المشكل ١ / ٢٥١.
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٩.