أحدهما ـ وهو الظاهر ـ : كونها نسقا على جواب القسم ، فتكون أيضا مقسما عليها.
والثاني : أنه إخبار من أنفسهم بأنهم لا يكتمون الشهادة ؛ ويتأيّد بقراءة الحسن والشّعبيّ (١) : (وَلا نَكْتُمُ) على النهي ، وهذه القراءة جاءت على القليل ؛ من حيث إنّ دخول «لا» الناهية على فعل المتكلّم قليل ؛ ومنه : [الطويل]
٢٠٧٠ ـ إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد |
|
بها أبدا ما دام فيها الجراصم (٢) |
والجمهور على «شهادة الله» بالإضافة ، وهي مفعول بها ، وأضيفت إليه تعالى ؛ لأنه هو الآمر بها وبحفظها ، وألّا تكتم ، ولا تضيّع ، وقرأ (٣) عليّ رضي الله عنه ونعيم بن ميسرة والشّعبيّ في رواية : «شهادة الله» بتنوين شهادة ، ونصبها ، ونصب الجلالة ، وهي واضحة ، ف «شهادة» مفعول ثان ، والجلالة نصب على التعظيم وهي الأوّل ، والأصل : ولا نكتم الله شهادة ؛ وهو كقوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] وإنما قدّمت هنا للاهتمام بها ؛ فإنها المحدّث عنها ، وفيها وجه ثان ـ نقله الزهراويّ ـ وهو : أن تكون الجلالة نصبا على إسقاط حرف القسم ، والتقدير : ولا نكتم شهادة والله ، فلمّا حذف حرف الجر ، نصب المقسم به ، ولا حاجة إليه ؛ لأنه يستدعي حذف المفعول الأوّل للكتمان ، أي : ولا نكتم أحدا شهادة والله ، وفيه تكلّف ، وإليه ذهب أبو البقاء (٤) أيضا قال : «على أنه منصوب بفعل القسم محذوفا».
ويروى عن أبي (٥) جعفر «شهادة» منونة «ألله» بقطع الألف وكسر الهاء ، من غير استفهام على ابتداء اليمين ، أي : والله (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) ، أي : إن كتمناها نكون من الآثمين.
وقرأ عليّ ـ رضي الله عنه ـ والسّلميّ والحسن البصريّ (٦) : «شهادة» بالتنوين والنصب ، «آلله» بمدّ الألف التي للاستفهام ، دخلت للتقرير ، وتوقيف نفوس الخلق الحالفين ، وهي عوض عن حرف القسم المقدّر ثمّ. وهل الجرّ بها أم بالحرف المحذوف؟ خلاف. وقرأ (٧) الشعبيّ في رواية وغيره : «شهاده» بالهاء ويقف عليها ، ثم
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٨ ، والدر المصون ٢ / ٦٣٢.
(٢) البيت للفرزدق في : الأزهية ص (١٥٠) ، مغني اللبيب ١ / ٢٤٧ ، وللوليد بن عقبة في شرح التصريح ٢ / ٢٤٦ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦٣٣ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٢٠ ، أوضح المسالك ٤ / ٢٠٠ ، شرح الأشموني ٣ / ٥٧٤ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨ ، الدر المصون ٢ / ٦٣٢.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٨ ، والدر المصون ٢ / ٦٣٢.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٠.
(٥) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٣٢.
(٦) وقرأ بها عبد الله بن حبيب كما في المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٣ ، وينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٨ ، والدر المصون ٢ / ٦٣٢.
(٧) ينظر : القراءة السابقة.