إليهما ، ودفعتم إليهما مالكم ، فاتّهمهما بعض الورثة ، وادّعوا عليهما خيانة فما الحكم فيه؟
«أن تحبسونهما» أي : تستوقفونهما بعد الصّلاة.
قال السّدي : بعد صلاة أهل دينهما ؛ لأنّهما لا يباليان بصلاة العصر ، ولا صلاة الظّهر على ما تقدّم ، فيحلفان (بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي : شككتم ووقعت لكم الرّيبة في قول الشّاهدين وصدقهما ، إذا كانا من غير دينكم ، فإن كانا مسلمين فلا يمين عليهما (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) ، أي : لا نحلف بالله كاذبين على عوض نأخذه ، أو حقّ نجحده (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ، ولو كان المشهود له ذا قرابة منّا (١).
وقيل : لو كان ذلك الشّيء حبوة (٢) في قربى (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) وأضاف الشّهادة إلى الله تعالى ؛ لأنه أمر بإقامتها ونهى عن كتمانها (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) ، إن كتمنا الشّهادة.
روي لما نزلت هذه الآية ، صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاة العصر ، ودعا تميما وعديا ، فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلّا هو ، أنّهما لم يختانا شيئا مما دفع إليهما ، فحلفا على ذلك ، وخلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبيلهما (٣).
قوله تعالى : (فَإِنْ عُثِرَ:) مبنيّ للمفعول ، والقائم مقام فاعله الجارّ بعده ، أي : فإن اطّلع على استحقاقهما الإثم يقال : عثر الرّجل يعثر عثورا : إذا هجم على شيء ، لم يطّلع عليه غيره ، وأعثرته على كذا أطلعته عليه ؛ ومنه قوله تعالى : (أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) [الكهف : ٢٦] ، قال أهل اللغة : وأصله م ن «عثرة الرجل» وهي الوقوع ، وذلك أن العاثر إنما يعثر بشيء كان لا يراه ، فإن عثر به ، اطّلع عليه ، ونظر ما هو ، فقيل لكلّ أمر كان خفيّا ، ثم اطّلع عليه : «عثر عليه» ، وقال الليث : «عثر يعثر عثورا هجم على أمر لم يهجم عليه غيره ، وعثر يعثر عثرة وقع على شيء» ففرّق بين الفعلين بمصدريهما ، وفرّق أبو البقاء (٤) بينهما بغير ذلك ؛ فقال : «عثر مصدره العثور ، ومعناه اطّلع ، فأمّا «عثر» في مشيه ، ومنطقه ، ورأيه ، فالعثار» ، والراغب (٥) جعل المصدرين على حدّ سواء ؛ فإنه قال : «عثر الرّجل بالشيء يعثر عثورا وعثارا : إذا سقط عليه ، ويتجوّز به فيمن يطّلع على أمر من غير طلبه ، يقال : «عثرت على كذا» ، وقوله : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) [الكهف : ٢١] ، أي : وقّفناهم عليهم من غير أن طلبوا».
قوله تعالى : (فَآخَرانِ) فيه أربعة أوجه :
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره ٥ / ١١١.
(٢) في أ : حياة.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٠.
(٥) ينظر : المفردات ٣٣٣.